مستشارو إدارة التغيير: قيادة المؤسسات تجاه التحول (الجزء الثاني)
ناقشَ القسم الأول من هذا المقال الدور الحيوي الذي يؤديه مستشارو إدارة التغيير في تحقيق الأهداف التنظيمية وتعزيز بيئة عمل مستدامة، وكيف يحوِّلون التحديات إلى فرص ويضمنون أن تصبح المؤسسات أكثر استعداداً لمواجهة المستقبل بفضل مهاراتهم في التواصل الفعال، والمرونة، والابتكار، ولكن يبقى دورهم محورياً لضمان التحول الناجح والنمو المستدام.
سنناقش في هذا القسم الثاني والأخير الاتجاهات الحديثة في استشارات إدارة التغيير وأثرها الكبير في المؤسسات. يتضح دور هذه العناصر في تحقيق التحول الناجح من دمج التقنيات الناشئة والتركيز على رفاهية الموظفين إلى اعتماد المنهجيات المرنة وتخصيص الاستراتيجيات، كما سنتناول أهمية فهم الثقافة التنظيمية والتغلب على التحديات لضمان تحقيق الأهداف والنمو المستدام في عالم الأعمال المتغير.
توجهات استشارات إدارة التغيير
فيما يأتي 4 توجهات بارزة في مجال استشارات إدارة التغيير:
1. التقنيات الناشئة ودورها
تزداد أهمية استخدام الأدوات التكنولوجية الحديثة في إدارة التغيير للشركات يوماً بعد يوم، وتتجاوز أدوات التكنولوجيا الحديثة كونها كلمات رنانة لتمثِّل الطريقة التي تتعامل بها المنظمات مع استشارات إدارة التغيير، مثل "الذكاء الاصطناعي" (AI)، و"تعلم الآلة" (ML)، وتحليل البيانات.
تؤكد شركة "برايس ووتر هاوس كوبرز" (PwC) في واحد من أحدث تقاريرها أنَّ 85% من الشركات التي تتبنى الذكاء الاصطناعي في مبادرات التغيير، تشهد تحسناً كبيراً في نتائج المشروعات، وأيضاً تتوقع الخوارزميات الخاصة بتعلم الآلة مقاومة الموظفين، مما يسمح بوضع استراتيجيات استباقية للتخفيف من أية مشكلات محتملة.
2. زيادة التركيز على رفاهية الموظفين
يشدد مستشارو إدارة التغيير على أهمية رفاهية الموظفين في نجاح التغييرات، ويؤكد الأستاذ الجامعي "جون كوتر" (John Kotter) أنَّ الاهتمام بالصحة النفسية للموظفين، يمكن أن يزيد الإنتاجية بنسبة 15% خلال فترات التغيير التنظيمي، وهو ما تدعمه نتائج أبحاث "جامعة هارفارد" ( Harvard University.).
تدمج الشركات الرائدة مثل "نورث هايلاند" ( North Highland) مبادرات الصحة النفسية مع استراتيجيات إدارة التغيير الخاصة بها، مما يزيد مشاركة الموظفين وسلاسة عمليات الانتقال المؤسساتي.
3. منهجيات التغيير المرنة
يهتم استشاريو إدارة التغيير الآن بالمنهجيات المرنة، والتي كانت في البداية شائعة في قطاع تطوير البرمجيات، ويبيِّن أحد تقارير شركة "ماكنزي" ( McKinsey) أنَّ 43% من الشركات، زادت فعالية العمل وسرعة إنجاز المشروعات بعد إضافة تقنيات المرونة إلى إجراءات إدارة التغيير.
سارعَت بعض الشركات من أمثال "بيرنغ بوينت" (BearingPoint) إلى اعتماد منهجية العمل المرن، مما عزز قدرتها على التكيف مع التحولات السوقية والتغييرات الداخلية.
4. استراتيجيات إدارة التغيير المخصصة
أدرك الجميع بلا شك أهمية تخصيص استراتيجيات إدارة التغيير لتناسب احتياجات كل منظمة، وتؤكد دراسات شركة "كي بي إم جي" (KPMG) أنَّ الاستراتيجيات المخصصة، تحسِّن مؤشرات الأداء بنسبة 25% في مبادرات التغيير؛ إذ يستفيد مستشارو إدارة التغيير الآن من الرؤى المستندة إلى البيانات في تطوير استراتيجيات مخصصة تتماشى مع الثقافة والأهداف التشغيلية المحددة لعملائهم.
تعدُّ خطة التحول المخصصة التي وضعتها شركة "إلكسير للاستشارات" (Consultancy Elixirr) والتي رفعت معدلات نجاح المشروعات بنسبة 30% من أيرز الأمثلة، مما يثبت فعالية الاستراتيجيات المخصصة.
تأثير الثقافة التنظيمية في مبادرات التغيير
كثيراً ما يُغفَل دور الثقافة التنظيمية في إدارة التغيير، رغم أنَّها تُعدُّ عاملاً حاسماً في تحديد نتائج هذه المبادرات.
تؤكد التقارير أنًّ 80% تقريباً من المنظمات، تفشل في مبادرات التغيير بسبب المقاومة الثقافية، وذلك وفقاً لمقال نُشر في مجلة "هارفرد بزنس ريفيو" (HBR) في "أيلول" (سبتمبر) عام 2017؛ إذ يشدد المقال على أهمية التوافق بين ثقافة الشركة وأهدافها الاستراتيجية.
أنواع المقاومة
تؤثر الثقافة التنظيمية في استعداد الموظفين لتقبُّل التغيير، وتُظهر دراسة أجرتها "ماكينزي" في عام 2020 أنَّ ترسيخ ثقافة الثقة والتواصل، يرفع معدل نجاح الشركات في تنفيذ مبادرات التغيير بقرابة 2.5 مرة، وتنشأ المقاومة غالياً من الخوف من المجهول، والراحة مع الوضع الراهن، أو ربما الشك في قدرة القيادة على إدارة التغيير بفعالية.
يؤكد الدكتور "جون كوتر" هذه الفكرة حيث يقول: "يكون التغيير صعباً، وغالباً ما تجسِّد ردود الفعل السلبية الاعتقادات الثقافية الراسخة داخل المنظمة."
دراسات حالة: عدم توافق ثقافي
واجهَت شركة "مايكروسوفت" (Microsoft) صعوبات في بداية انتقالها إلى نموذج العمل السحابي، فتتطلَّبت التحولات الاستراتيجية تغييراً جذرياً في عقلية وسلوك الشركة، وتبنَّت ثقافة "عقلية النمو" تحت قيادة الرئيس التنفيذي "ساتيا ناديلا" (Satya Nadella)، مما عزز التعلم والابتكار والتعاون. كانت هذه التغييرات الثقافية ضرورية لنجاح النقلة النوعية والحفاظ على مكانة شركة "مايكروسوفت" الرائدة في السوق.
بخلاف ذلك فإنَّ أفضل الخطط مصيرها الفشل عندما لا تتماشى الثقافة التنظيمية مع التغييرات المُنفَّذة، وهذا ما تؤكده تجربة اتحاد شركتي "دايملر" (Daimler) و"كرايسلر" (Chrisler) في أواخر التسعينيات، فأدت الصراعات الثقافية إلى فشل اندماج الشركتين رغم التخطيط الإستراتيجي الدقيق.
استراتيجيات مثبتة لمزامنة الثقافة مع التغيير
يوصي المستشارون بإشراك أعضاء الفريق في عملية التغيير منذ البداية لضمان توافق القِيَم الثقافية مع الأهداف الجديدة؛ إذ تبني الشفافية والتواصل الشامل الثقة، ويشير "نموذج كوتر" (Kotter's Model) المكوَّن من 8 خطوات إلى ضرورة تضمين الأساليب الجديدة في الثقافة لضمان ديمومة التغييرات.
وجدت دراسة أجراها معهد "كورن فيري" (Korn Ferry) الأمريكي لتمكين الموارد البشرية من خلال البحث والابتكارأنَّ الشركات التي تعطي الأولوية للتوافق الثقافي في استراتيجيات إدارة التغيير، يمكن أن تزيد من مشاركة الموظفين بنسبة تصل إلى 30%، مما يؤثر مباشرة في معدلات نجاح المشروعات، وتؤكد شركة "نورث هايلاند" على أهمية تقييم الثقافة قبل مباشرة العمل على أي مشروع.
التقييم المستمر
يجب تقييم التوافق الثقافي دورياً باستخدام أدوات، مثل استبيانات الموظفين وآليات التغذية الراجعة؛ إذ يمكن الحصول على رؤى قيِّمة أيضاً من خلال تقنيات، مثل "استبيان الثقافة التنظيمية لدينيسون" (Denison Organizational Culture Survey)، فتضمن التقييمات المستمرة مرونة المنظمة وقدرتها على التكيف مع التغيرات.
يؤدي مستشارو التغيير دوراً جوهرياً في إدارة الجوانب التقنية والتشغيلية، ولكن يعتمد نجاح التغيير على مدى مراعاة إجراءات العمل لثقافة المنظمة، وإنَّ إدارة التوافق الثقافي مهمة معقدة وحاسمة لا يُستهان بها، هي بالفعل الفاصل في أية مبادرة تغيير.
التحديات التي يواجهها مستشارو إدارة التغيير
فيما يأتي 6 تحديات شائعة بين مستشاري إدارة التغيير:
1. التعامل مع المقاومة
تُعدُّ مقاومة التغيير من أكبر العقبات التي يواجهها مستشارو إدارة التغيير، فمن الطبيعي أن يقاوم الإنسان المجهول ويتمسك بما يألفه. أظهرت دراسة أجرتها شركة "مكِينزي وشركاؤه" (McKinsey & Company) أنَّ قرابة 70% من برامج التغيير، تفشل بسبب مقاومة الموظفين ونقص الدعم الإداري، بالتالي يتطلب النجاح في هذا المجال مستشاراً ماهراً في ابتكار الاستراتيجيات وإدارة الأفراد على حدٍ سواء.
2. انقطاع التواصل
يواجه الاستشاريون أيضاً تحدياً صعباً يضمن التواصل الواضح والمستمر خلال عملية الانتقال. تقول تقارير شركة "بروسكي" (Prosci) إنَّ المشروعات التي تمتلك استراتيجيات فعالة لإدارة التغيير لديها فرص نجاح أكبر بمعدل 6 مرات من غيرها، ولكن تواجه عدد من المنظمات صعوبة في الالتزام بالتواصل الدوري، خاصة في الشركات الكبيرة أو العالمية.
3. توافق الإدارة والموظفين
يوائم المستشارون أهداف وتوقعات الإدارة مع تلك الخاصة بالموظفين، وهي مهمة شاقة. يتطلب ذلك التخطيط الاستراتيجي والمشاركة الفعالة في النشاطات التنظيمية، وتوضح دراسة حالة من الشركة الاستشارية "إن إم إس" (NMS) كيف تمكَّن فريقهم من الموازنة بين توقعات الإدارة واحتياجات الموظفين خلال مشروع تحول تجاري كبير.
4. الحواجز الثقافية
تؤدي الثقافة التنظيمية دوراً أساسياً في نجاح مبادرة التغيير، فوجدت شركة "كي بي إم جي" أنَّ 82% من الشركات عالية الأداء، تقر بأنَّ الثقافة التنظيمية قد تعوق التغيير. يرسِّخ المستشارون مع قسم الموارد البشرية ثقافة تدعم التحول بدلاً من عرقلته.
5. تقييم النتائج
يواجه المستشار بعض الصعوبة في تقييم نجاح مبادرات التغيير في بعض الحالات، وغالباً ما يعتمد على المقاييس الكمية، مثل مؤشرات الأداء والتغذية الراجعة النوعية لتقييم فعالية التغيير. أفادت "مجموعة بوسطن للاستشارات" (Boston Consulting Group - BCG) بأنَّ الشركات التي تمتلك استراتيجيات مدروسة لتقييم التغيير تزيد احتمال نجاحها بتحقيق الأهداف المرجوة بقرابة 60%.
6. تعديل الاستراتيجيات في التنفيذ
يواجه كل مشروع مجموعة من التحديات غير المتوقعة، مما يحتِّم على المستشارين ضرورة التحلي بالمرونة وتعديل خططهم واستراتيجياتهم وفق العقبات الجديدة، وهي مهارة تميِّز المستشار الناجح عن غيره. يشتهر مستشارو "اليكسير" (Elixirr) بقدرتهم على التكيف بمرونة خلال المشروعات الجارية، مما يضمن الحد الأدنى من التعطيل مع التركيز على الهدف النهائي.
أفضل شركات استشارات إدارة التغيير
الشركات الرائدة في إدارة التغيير
تهيمن بعض الشركات الكبرى على قطاع استشارات إدارة التغيير التنظيمي؛ إذ طورت هذه الشركات أساليبها على مدى عقود ورسَّخت مكانتها بوصفها شريكاً موثوقاً لأية شركة تمر بانتقالات كبيرة.
تستخدم شركة "كي بي إم جي" منهجية عمل فعالة تميزها عن بقية المنافسين في مجال إدارة التغيير، وذلك بمساعدة فريق مختص يركز على موضوع إدارة التغيير التنظيمي، ويقدم للعملاء نصائح عملية وحلولاً مصمَّمة خصيصاً لاحتياجاتهم. تدعم عدد من دراسات الحالة منهجية عمل الشركة وتثبت دورها في نجاح التحولات التجارية في جميع أنحاء العالم.
دور المستشارين المتخصصين
تُعدُّ شركة "بيرنغ بوينت" من أبرز الشركات في مجال "أنظمة تخطيط موارد المؤسسات"، فيدعم فريق إدارة التغيير العملاء خلال عملية تنفيذ هذه الأنظمة، مما يقلل من الاضطرابات ويضمن انتقالاً سلساً. تقدم "بيرنغ بوينت" خبرة ثمينة نظراً لأنَّ أنظمة تخطيط موارد المؤسسات غالباً ما تُحدث تحولات ثقافية كبيرة داخل المنظمات.
تأثير شركات الاستشارات في الثقافة التنظيمية
يلمع اسم شركة "برايس واترهاوس كوبرز" (PwC) أيضاً في مجال إدارة التغيير، وتركز منهجيتهم كثيراً على الثقافة التنظيمية. تؤكد هذه الشركة أهمية تفاعل الموظفين والذكاء العاطفي في دعم مبادرات التغيير، وتشير تقاريرهم إلى أنَّ قرابة 70% من مبادرات التغيير، تفشل بسبب مشكلات داخل الثقافة التنظيمية أو مقاومة الموظفين. تشدد هذه الرؤى على الدور الحاسم الذي تؤديه شركات مثل "برايس واترهاوس كوبرز" في سد الفجوة بين استراتيجيات الإدارة وقبول الموظفين.
معالجة المقاومة من خلال الخبرة
تُعدُّ شركة "اليكسير" من الشركات الجديدة ولكن سريعة النمو في السوق، فتُعرف باسم "تشالنجر للاستشارات" (Challenger Consultancy). تفوَّقت هذا الشركة على مَن هم أكبر وأقدم منها بفضل نهجها المرن والتخصصي، واكتسبت سمعة قوية في التعامل بفاعلية مع التحديات الدقيقة للتغيير التنظيمي، خاصة في شركات التكنولوجيا الناشئة والمشروعات الضخمة.
قصص نجاح بعض الشركات الرائدة
تفرض شركة "نورث هايلاند" حضوراً قوياً في الولايات المتحدة من خلال خدماتها الشاملة في إدارة التغيير، وتشتهر الشركة بتركيزها على خلق تجارب إنسانية ذات مغزى. شاركت في عدد من مبادرات التغيير الناجحة، لا سيما في قطاعات، مثل الرعاية الصحية والحكومة.
تبرز شركات، مثل "إن إم إس" للاستشارات وشركة الاستشارات في مجال التكنولوجيا "أناليسيس ميسِن" (Analysys Mason) التنوع الموجود في مشهد الاستشارات الإدارية، وتركز "إن إم إس" للاستشارات على التحول المستدام للأعمال، في حين تبرع "أناليسيس ميسِن" في قطاعات الاتصالات والتكنولوجيا.
تُمثل هذه الشركات تنوع الأساليب الاستشارية المتاحة، وتوضح كيف يمكن للدعم الشامل أن يُحدث فرقاً كبيراً في نتائج التغييرات التنظيمية.
في الختام
لا يعدُّ استشاري إدارة التغيير مجرد مهني يؤدي مهامه الوظيفية؛ بل هو شريك استراتيجي يساهم بفعالية في تحويل المؤسسات وتنميتها. يؤدي هؤلاء الاستشاريون دوراً حيوياً في تمكين المؤسسات من التكيف مع التغيرات المتسارعة من خلال الجمع بين المهارات التقنية والتفكير الابتكاري والمعايير الأخلاقية، بالتالي يحقِّقون النجاح ويتجاوزون العقبات باتباع استراتيجيات مخصصة وتواصل فعال، مما يعزز الأداء العام ويضمن مستقبلاً مزدهراً للمؤسسات.
مساحة اعلانية
أحدث المقالات
ابق على اطلاع بآخر المستجدات
کن على اطلاع بآخر المقالات والمصادر والدورات القادمة