8 توجهات تقود قطاع استشارات الموارد البشرية

يشهد قطاع الاستشارات الإدارية نقلات نوعية تقودها التطورات التكنولوجية، وتغيّر توقعات العملاء، والتحولات الاستراتيجية داخل المنظمات.

يتناول المقال أبرز الاتجاهات والتحديات في قطاع الاستشارات الإدارية ويركز خاصةً على جوانب إدارة الموارد البشرية.

توجهات قطاع استشارات الموارد البشرية

في ما يلي، 8 توجهات تقود قطاع استشارات الموارد البشرية:

1. التركيز على الخبرة المتخصصة

يفضل مزيد من العملاء التعاون مع مستشارين خبراء في مجالات دقيقة وبارعين في مهارات محددة. فالنموذج التقليدي للاستشارات "العامة" يتراجع أمام الطلب على خبراء قادرين على تحقيق نتائج فعلية والتكيُّف مع تغيُّر متطلبات العملاء. ومن المتوقع أن تحسِّن شركات الاستشارات خدماتها لترفع دقة الحلول وفعاليتها في تحقيق النتائج المرجوة.

يستلزم هذا التوجه استقطاب كوادر جديدة وتغيير آلية التوظيف التقليدية التي تعطي الأولوية لحملة الشهادات العليا وخريجي الجامعات المرموقة، وإلى جانب ذلك، يُحدِث هذا الاتجاه تغيرات جذرية داخل شركات الاستشارات التقليدية، لأنه يطالب أصحاب الأدوار التخصصية المستحدثة بالحصول على فرص للوصول إلى المناصب القيادية العليا أو الدخول في شراكات إدارية.

2. الاعتماد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي

أصبحت التحليلات المتقدمة، والبيانات الضخمة، والنمذجة التنبؤية أدوات أساسية في الاستشارات؛ إذ يمكّن اعتماد القرارات المبنية على البيانات شركات الاستشارات من تزويد العملاء بمعلومات دقيقة وعملية، من خلال الاستفادة من كميات هائلة من البيانات المنظمة وغير المنظمة. تستخدم شركات الاستشارات منصات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لاستخلاص الأنماط، والتنبؤ بتغيرات السوق، وتقديم توصيات استراتيجية فورية. ومع تزايد دور الذكاء الاصطناعي في العمليات التجارية، تتصاعد المخاوف الأخلاقية المرتبطة بالتحيز، والشفافية، والحوكمة، مما يزيد الطلب على الخدمات الاستشارية الخاصة بتطوير استراتيجيات مسؤولة لتبني الذكاء الاصطناعي.

على المستوى الداخلي، تستثمر الشركات بكثافة في تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز الإنتاجية، وأتمتة المهام المتكررة، وتقديم حلول مبتكرة للعملاء. فعلى سبيل المثال، طورت الشركات الكبرى أدوات ذكاء اصطناعي خاصة بها للمساعدة في صياغة الرسائل الإلكترونية، وتنسيق البيانات، وتلخيص الوثائق، مما يتيح للمستشارين التركيز على الأنشطة الأهم. ويُتوقَّع أن تشمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي قريباً إدارة الموارد البشرية والتعويضات، غير أنَّ الحذر يظل مطلوباً؛ لضمان الدقة والفعالية عند تطبيق مثل هذه التقنيات المتقدمة، لأنها ما تزال في مرحلة التطوير والتجريب.

3. حلول استشارية لامركزية قائمة على تقنية البلوك تشين

بدأت تقنية البلوك تشين تترسخ خارج نطاق القطاع المالي لتدخل مجالات أخرى مثل سلاسل التوريد والرعاية الصحية. ومع توسُّع التجارب في استخدام الرموز الرقمية والعقود الذكية، يتزايد اعتماد المؤسسات على الاستشاريين لتقديم المشورة بشأن الامتثال التنظيمي، وإدارة المخاطر، وسبل دمج هذه التقنيات عملياً في أنظمتها.

4. استثمارات الملكية الخاصة واندماج القطاع

شهدت الفترة الأخيرة اهتماماً متنامياً من صناديق الملكية الخاصة بشركات الاستشارات، ما أسهم في تمويل عمليات استحواذ استراتيجية وشراكات جديدة توسع نطاق السوق. في المقابل، وجدت الشراكات التقليدية القائمة على الملكية نفسها مضطرة إلى التكيف مع نماذج ملكية مغايرة، والتعامل مع تحديات دمج ثقافات مؤسسية مختلفة.

تجدر الإشارة إلى أنَّ هذه الاستثمارات لا تقتصر على الأبعاد المالية فحسب، بل تفرض أيضاً تحولات ثقافية جوهرية على الشراكات التقليدية التي تواجه ضغوطاً لإعادة هيكلة أنظمتها الداخلية، خاصة عند الاندماج أو الاستحواذ على شركات استشارية أخرى. كما يُتوقَّع أن تؤثر هذه التداعيات في سوق الكفاءات؛ إذ يتأثر سوق العمل المحلي بدخول الشركات الجديدة، وحالات التوسُّع وإعادة الهيكلة.

5. التركيز على المرونة وإدارة المخاطر

يزداد الطلب على الخدمات الاستشارية الخاصة بتعزيز مرونة المؤسسات وفعاليتها في إدارة المخاطر نتيجة التقلبات الاقتصادية والاضطرابات الجيوسياسية.

تشمل مجالات التركيز الأساسية، على سبيل المثال: إدارة المخاطر الجيوسياسية والمالية، ورفع مرونة سلاسل التوريد، والأمن السيبراني، والامتثال لمعايير البيئة، والمجتمع، والحوكمة (ESG)، والاستعداد لمواجهة الأزمات، بما يضمن استقرار الأعمال على الأمد الطويل.

6. استشارات الاستدامة والامتثال لمعايير البيئة، والمجتمع، والحوكمة

أصبحت الاستدامة أولوية استراتيجية محورية، ولم تعد استشارات البيئة، والمجتمع، والحوكمة تقتصر على الامتثال بل إنها تتطلب حالياً إعداد استراتيجيات شاملة لإحداث تحول جذري في الأعمال.

تشمل مؤشرات هذا التوجه ارتفاع الطلب على خدمات المقارنة المعيارية للتعويضات الخاصة بالأدوار الاستشارية في هذه المجالات.

7. زيادة الطلب على الشركات الاستشارية المستقلة

يستمر توجه نمو الخدمات الاستشارية التي نشأت أساساً كأقسام داخلية في شركات كبرى، وكانت وظيفتها تقديم الاستشارات فقط للشركة الأم. ومع الوقت، تحولت هذه الأقسام إلى شركات استشارية مستقلة تقدم خدماتها لشركات خارجية أيضاً. وكذلك ثمة شركات كان نشاطها الرئيس بعيداً عن مجال الاستشارات لكنها دخلته وتوسعت فيه. ومن أبرز الأمثلة عن هذا التوجه شركات "ديتيكون" (Detecon)، و"دي إس إس+" (DSS+)، و"ماستر كارد" (Mastercard)، التي تحظى اليوم بسمعة حسنة وتُعد بدائل مرموقة وموثوقة للشركات الاستشارية التقليدية الكبرى في مجالات تخصصها.

وفي الوقت ذاته، ثمّة اهتمام متزايد بالمستشارين المستقلين، سواء كانوا يعملون عملاً حراً أو مقدمي خدمات فردية؛ بسبب انجذاب العملاء إلى المرونة والاستقلالية التي يوفرها هذا النموذج البديل. وقد أدى هذا النمو إلى ظهور اتحادات وشبكات جديدة تجمع المستشارين المستقلين، مما يسمح لهم بالتعاون في المشاريع الكبرى وتبادل الموارد.

ومن شأن هذين الاتجاهين أن يوسّعا دائرة المنافسين المحتملين أمام شركات الاستشارات التقليدية، بما يترتب عليه من تداعيات على توظيف الكفاءات وسياسات التعويضات.

8. الشركات الاستشارية المتخصصة والصغيرة

تشتد المنافسة في سوق الاستشارات نتيجة نمو عدد الشركات الاستشارية المتخصصة في مجالات ناشئة مثل الامتثال لمعايير البيئة، والمجتمع، والحوكمة، وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وتعزيز مرونة سلاسل التوريد. وتزداد حاجة العملاء، بشرائحهم المختلفة، إلى هذه الشركات التي تقدم معلومات مفصلة ضمن قطاعات محددة أو خبرات وظيفية دقيقة.

لكن عند إجراء دراسات المقارنة المعيارية، يصبح من الضروري تقييم هذه الشركات بعناية قبل إدراجها كمنافسين. تضطر بعض الشركات الكبرى إلى التنافس مع هذه الشركات المتخصصة على استقطاب الكفاءات في سوق معيَّن، ولكن في المقابل، تؤدي عوامل اختلافات الحجم، وهيكل الرواتب والتعويضات، وطبيعة الأعمال بين الطرفين إلى تكوين صورة مضللة عن السوق.

استراتيجيات توظيف أوسع

تفرض الاتجاهات السابقة مجموعة من التحديات على صعيد الموارد البشرية وإدارة الكفاءات، وتشترك في زيادة تنوع سوق الاستشارات. فقد بدأت الشركات بتوسيع ممارسات التوظيف ولم تعد تركز على معيار برامج ماجستير إدارة الأعمال التقليدية، بل إنها تشمل حالياً مرشحين من جامعات غير مصنَّفة كوجهات رئيسة، ومن برامج ماجستير متخصصة، وحملة الدكتوراه، فضلًا عن المهنيين ذوي الخبرة، مما يسمح باستقطاب مرشحين أكفاء سواء للأدوار العامة أو التخصصية.

اتجاهات الرواتب

تشير بيانات السوق، إلى جانب مصادر خارجية نُشِرت مؤخراً، إلى أنَّ الميزانيات المخصَّصة للرواتب عالمياً شهدت زيادة بمتوسط يقارب 3.7% في عام 2025، وتُعد هذه النسبة أدنى قليلاً مقارنة بالزيادة التي سُجِلت في عام 2024. ورغم أنَّ قطاع الاستشارات الإدارية ما يزال يقدم حزم تعويضات تنافسية للغاية، فإنَّ معدل نمو الرواتب في عام 2025 يُبرِز نهج أكثر حذر في ظل الظروف الاقتصادية المتغيرة.

ومن اللافت أننا رصدنا زيادة أكبر في الرواتب المقدمة للمرشحين القادمين من خارج قنوات برامج ماجستير إدارة الأعمال التقليدية، في حين بقيت الزيادات محدودة نسبياً للمرشحين المنتمين إلى قنوات التوظيف الكلاسيكية.

في الختام

تسارعت التغيرات والتطورات التكنولوجية على مستوى العالم، وشهد قطاع الاستشارات خصوصاً نقلة نوعية تمثلت في مجموعة من التوجهات التي وردت في المقال. يجب مواكبة هذه التوجهات لضمان الاستمرارية والنجاح على الأمد الطويل.

هذا المقال من إعداد المدرب رضوان المرابط، كوتش معتمد من MMB

أحدث المقالات

ابق على اطلاع بآخر المستجدات

کن على اطلاع بآخر المقالات والمصادر والدورات القادمة