من الامتثال إلى الابتكار: الدور المتنامي للاستشارات البيئية

شهِدَت الاستشارات البيئية تطوراً ملحوظاً خلال العقد الماضي، مع تزايد تركيز الشركات والحكومات والقطاعات الصناعية على الاستدامة، والتخفيف من آثار تغير المناخ، والامتثال التنظيمي، ولقد بلغت قيمة السوق العالمية لخدمات الاستشارات البيئية 38.4 مليار دولار في عام 2023>

ومن المتوقع أن تنمو لتصل إلى 65.1 مليار دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركَّب (CAGR) قدره 7.8%؛ إذ يُبرِز هذا التوسع في قطاع الاستشارات البيئية التركيز العالمي المتزايد على تغير المناخ، واستدامة الشركات، وتطوير الحلول التكنولوجية لمواجهة التحديات البيئية.

ما هي الاستشارات البيئية؟

تشمل الاستشارات البيئية النصائح التي يقدِّمها الخبراء لمساعدة المنظمات على الامتثال للوائح البيئية، وإدارة المخاطر، وتطبيق إجراءات الاستدامة، بالتالي يقدِّم المستشارون خبراتهم في تقييم الأثر البيئي (EIAs)، وإدارة مخاطر المناخ، والمحاسبة الكربونية، وإدارة النفايات، والحفاظ على الموارد المائية، فيضمن المستشارون البيئيون امتثال الشركات للوائح البيئية وتقليل تأثيراتها السلبية، وخصيصاً أنَّ الشركات والقطاعات الصناعية، تواجه بيئات تنظيمية معقدة.

العوامل الدافعة لنمو الاستشارات البيئية

1. الامتثال التنظيمي واستدامة الشركات

تُعِدُّ ضرورة الامتثال للوائح البيئية المتزايدة الصرامة أحد الدوافع الرئيسة لسوق الاستشارات البيئية؛ إذ دفعت المتطلبات التنظيمية المتعلقة بانبعاثات الغازات الدفيئة، وإدارة النفايات، وتبني الطاقة المتجددة، الصناعات إلى البحث عن خبرات خارجية، كما عزز الضغط المتزايد من المستثمرين والمستهلكين والهيئات التنظيمية من أجل إعطاء الأولوية لأداء الممارسات البيئة، والاجتماعية، والحوكمة (ESG) دور المستشارين البيئيين.

سرَّع اتفاق باريس لعام 2015 الجهود العالمية للتخفيف من تغير المناخ، فتبنَّت الشركات أهداف صافي الانبعاثات الصفرية وحسَّنَت ممارساتها المستدامة، مما زاد الطلب على خدمات المستشارين المتخصصين في استراتيجيات الحد من الكربون، وكفاءة الطاقة، والشهادات الخضراء (مثل LEED، ISO 14001)، ومن المتوقع أن يستمر السوق العالمي لخدمات استشارات البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) في النمو، لا سيما مع سعي الشركات لمواءمة نفسها مع أطر الاستدامة ومعايير إعداد التقارير.

2. التطورات التكنولوجية

يحسِّن دمج الابتكارات التكنولوجية في قطاع الاستشارات كفاءة ودقة التقييمات البيئية، فقد مكَّنت أدوات، مثل الاستشعار عن بُعد، والخرائط الجغرافية المكانية، وتحليلات البيانات المستشارين من مراقبة الأنظمة البيئية في الوقت الفعلي، وتقييم المخاطر بفعالية أكبر، وتنفيذ حلول لحماية التنوع البيولوجي وإدارة الموارد، كما حسَّنت النماذج المدعومة بالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي التقييمات البيئية التنبؤية، فيتوقَّع المستشارون نتائج المشروعات على الموارد الطبيعية والنظم البيئية.

تُعتمد تقنيات، مثل نظم المعلومات الجغرافية (GIS) والمركبات الجوية غير المأهولة (UAVs) على نطاق واسع للمراقبة البيئية، وترفع هذه التقنيات دقة وسرعة إجراءات جمع البيانات التي تُعالج المواقع الملوثة، وتختبر جودة المياه، وتستشير إدارة النفايات، بالتالي يؤكد الاستخدام العالمي للطائرات المُسيَّرة في عمليات الاستشارات البيئية اعتماد الحلول الرقمية لحل القضايا البيئية المعقدة.

3. التخفيف من تغير المناخ

استلزمت زيادة وتيرة الحوادث المناخية الخطيرة، مثل الظواهر الجوية المتطرفة، والفيضانات، وحرائق الغابات استراتيجيات أفضل لإدارة المخاطر البيئية، ومع تحول القدرة على التكيف مع المناخ إلى أولوية للحكومات والشركات، يُكلَّف المستشارون البيئيون الآن بتصميم وتنفيذ خطط التكيف مع المناخ التي تساعد العملاء على تخفيف المخاطر وتقليل البصمة الكربونية.

تسلط مصادر، مثل "تقرير الأعمال الاستراتيجي العالمي لخدمات الاستشارات البيئية" (Environmental Consulting Services—Global Strategic Business Report) الضوء على قطاع خدمات تنظيف المواقع الملوثة، والذي من المتوقع أن ينمو إلى 21.6 مليار دولار بحلول عام 2030 بمعدل نمو سنوي مركَّب قدره 7.5%، ويدفع هذا النمو التركيز المتزايد على التخفيف من الأضرار البيئية الناتجة عن النشاط الصناعي واستصلاح المواقع الملوثة.

4. المسؤولية المؤسسية وتنامي الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG)

كان هناك تحول ملحوظ في ثقافة الشركات، بعد إدراك أهمية الاستدامة بوصفها ميزة تنافسية وجانباً رئيساً من جوانب إدارة المخاطر، وقد دفع هذا الوعي المتزايد الصناعات إلى البحث عن شركات استشارية بيئية لتحقيق أهداف الاستدامة البيئية، لا سيما في قطاعات البناء، والتصنيع، والطاقة، والصناعات الكيميائية.

تستثمر الشركات بالإضافة إلى الامتثال التنظيمي في شهادات الاستدامة والمبادرات الطوعية، مثل محايدة الكربون وبرامج النفايات الصفرية، وقد زادَ التركيز على أطر البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG)، التي تعطي الأولوية للأداء البيئي إلى جانب المسؤولية الاجتماعية والحوكمة الطلب على المستشارين الخبراء في إعداد استراتيجية البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG)، وإعداد التقارير، والامتثال.

5. توجهات الاستدامة بعد كوفيد-19

شجعت جائحة كوفيد-19 المنظمات على تنفيذ استراتيجيات استدامة مدروسة، وهادفة، وانتقلت عدد من الشركات بعد الجائحة من مجرد التخطيط للإجراءات المستدامة إلى اتخاذ خطوات ملموسة لإزالة الكربون والتكيف مع التغيرات البيئية، وقد زاد هذا التحول الطلب على خدمات الاستشارات البيئية التي تساعد الشركات على التعامل مع تعقيدات المشهد التنظيمي بعد الجائحة واعتماد ممارسات التعافي المستدام.

توجهات السوق والآفاق المستقبلية

بينما نتطلع إلى عام 2030، يستعد قطاع الاستشارات البيئية لنمو كبير بفضل عدة توجهات ناشئة:

• التحول الرقمي: تتزايد رقمنة خدمات الاستشارات البيئية؛ إذ أصبحت الاستثمارات في إدارة البيانات وتكامل البرمجيات حاسمة لتحسين التقييمات البيئية وعمليات إعداد التقارير.
• المدن الذكية: يجب أن ينمو الطلب على الخدمات الاستشارية التي تطوِّر المدن الذكية والبنية التحتية الموفرة للموارد مع تزايد التحضير، بالتالي ستعتمد المدن الذكية على معايير البناء الأخضر، واستخدام الطاقة المستدامة، والإدارة الفعالة للنفايات والمياه.
• إدارة المياه والنفايات: يسلط معدل النمو السنوي المركَّب المتوقَّع بنسبة 8% في هذا القطاع الضوء على الطلب المتزايد على خدمات استشارات إدارة المياه والنفايات، مدفوعاً بالمخاوف المتزايدة بشأن ندرة المياه والتلوث في مناطق من خلال إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.

يُقدر سوق خدمات الاستشارات البيئية في الولايات المتحدة الأمريكية بـ 15.9 مليار دولار في عام 2023، مع نمو ملحوظ يحدث أيضاً في مناطق أخرى، فمثلاً من المتوقع أن تنمو الصين بمعدل نمو مركَّب قدره 10.2%، لتصل إلى 5.2 مليار دولار بحلول عام 2030، ويغذِّي النمو في دول، مثل ألمانيا واليابان ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ عوامل مماثلة من الضغوطات التنظيمية، ومبادرات الاستدامة، وإجراءات التكيف مع المناخ.

في الختام

تعالج مهنة الاستشارات البيئية التحديات العالمية المُلِحَّة، من تغير المناخ والامتثال التنظيمي إلى استدامة الشركات، ومع توقع تجاوز القطاع 65 مليار دولار بحلول عام 2030، سيظل المستشارون البيئيون حاسمين في توجيه الشركات والحكومات في انتقالها إلى ممارسات أكثر استدامة ومرونة.