دليل شامل حول الاستشارة في مجال التأثير الاجتماعي
إنَّ العمل في مجال استشارات التأثير الاجتماعي طريقة ممتازة للمشاركة في مهمة اجتماعية، واكتساب مجموعة من المهارات الاستشارية القيِّمة. توجد شركات مختصة بالتأثير الاجتماعي، وأخرى عامة تعمل على مشاريع في هذا المجال، وتوفر فرص عمل رائعة لأولئك الذين يرغبون في إحداث تغيير إيجابي في العالم.
نظرة عامة حول استشارات التأثير الاجتماعي
تعريف استشارات التأثير الاجتماعي
تُعد الشركات الاستشارية المتخصصة في التأثير الاجتماعي شريكاً استراتيجياً للمؤسسات التي تُعنى بتحسين المجتمع، حيث تقدم لها الدعم اللازم لتعزيز أثرها الإيجابي في المجتمع والعالم. يهتم الاستشاريون في هذا المجال بإحداث تأثير قابل للقياس بعيداً عن معايير النجاح التقليدية مثل الربح، ولكنَّهم يدركون أيضاً أهمية الاستدامة المالية لضمان استمرارية التأثير على الأمد الطويل.
على سبيل المثال:
يعمل مستشارو التأثير الاجتماعي على تقديم حلول مبتكرة تساعد الشركات في طرح منتجات موجهة للمستهلكين ذوي الدخل المنخفض، مع مراعاة تحقيق عائد استثماري معقول يتوازن مع الأهداف الاجتماعية، وذلك بدلاً من التركيز على زيادة هوامش الربح بمعزل عن السياق الاجتماعي. يعمل عملاء التأثير الاجتماعي في القطاعات العامة أو الخاصة أو الخيرية، ويسعون للحصول على المشورة التي تساعدهم على تحقيق أهدافهم.
يُذكَر من أمثلة هؤلاء العملاء:
المؤسسات غير الربحية، والمؤسسات العائلية، والحكومات، وصناديق الاستثمار، وحتى بعض الشركات. تغطي مشاريع استشارات التأثير الاجتماعي مجموعة متنوعة من المواضيع التي تشمل: التنمية الاقتصادية، والصحة العالمية، والأنظمة الغذائية، ومخاطر المناخ، والاستثمار المستدام، والتنوع والإنصاف والشمولية (DEI). يُذكَر من أمثلة هذه المشاريع:
- تطوير استراتيجية للحكومة لتحسين جودة التعليم لملايين الطلاب في إحدى الدول النامية.
- تقديم المشورة لشركة أسهم خاصة حول كيفية توزيع رأس المال لصندوقها الاستثماري الجديد ذي التأثير الاجتماعي.
- مساعدة مؤسسة غير ربحية في مشاريع إدارة التحول والتغيير التي تهدف إلى توفير خدمات الرعاية الصحية للمزيد من الأفراد، وضمان توحيد جودة الخدمات بين جميع المرضى.
أوجه التشابه والاختلاف بين استشارات التأثير الاجتماعي والاستشارات التقليدية
الشركات الاستشارية في مجال التأثير الاجتماعي:
عند البحث عن مهنة في مجال استشارات التأثير الاجتماعي، من الهام فهم أنواع هذه الشركات ومجالات تخصصها. فيما يلي 3 أنواع منها:
- شركات استشارات التأثير الاجتماعي واسعة النطاق: وهي شركات عالمية، ولها خبرة في مجموعة من الموضوعات المتعلقة بالتأثير الاجتماعي.
- الشركات الاستشارية المختصة بالتأثير الاجتماعي: والتي تركز على موضوع معين يندرج تحت التأثير الاجتماعي مثل: استشارات التنمية الدولية، أو وظيفة استراتيجية محددة كاستراتيجية جمع التبرعات.
- الشركات العامة التي تخصص قسماً للتأثير الاجتماعي: هي شركات استشارات إدارية أو استراتيجية تقليدية لديها قسم مخصص للتأثير الاجتماعي.
أمثلة عن شركات استشارات التأثير الاجتماعي واسعة النطاق:
1. شركة "إف إس جي" (FSG)
وهي شركة استشارات تأثير اجتماعي عالمية تساعد المنظمات غير الربحية والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات على تطوير الاستراتيجيات وتقييمها بهدف زيادة تأثيرها في المجتمع. كما أنَّها تساعد الشركات العامة والخاصة في وضع استراتيجيات التأثير الاجتماعي التي تحسِّن أعمالها.
تأسست هذه الشركة عام 2000 على يد كل من "مارك كرامر" (Mark Kramer) والأستاذ في "جامعة هارفارد للأعمال" (Harvard Business School) "مايكل بورتر" (Michael E. Porter).
2. مجموعة "بريدجسبان" (Bridgespan)
وهي شركة استشارات تأثير اجتماعي عالمية أخرى تعمل على مجموعة متنوعة من مشاريع التأثير الاجتماعي؛ حيث تقدم الاستشارات الإستراتيجية والقيادية للعملاء الذين يشملون المؤسسات غير الربحية، وفاعلي الخير، والحكومات، والشركات.
إنَّها شركة غير ربحية أسسها اثنان من كبار المستشارين السابقين في شركة "بين أند كومباني" (Bain & Company) عام 2000. ونتيجة لهذه العلاقة، يستطيع مستشارو الإدارة في شركة "بين" المهتمين باستشارات التأثير الاجتماعي التقدم للحصول على تدريب خارجي لمدة 6 أشهر في شركة "بريدجسبان".
أمثلة عن الشركات الاستشارية المختصة بالتأثير الاجتماعي:
3. شركة "دالبيرج" (Dalberg)
وهي شركة عالمية متخصصة في استشارات التنمية الدولية وتعمل مع الحكومات والمؤسسات والشركات، وتقدم الاستشارات، وخدمات التفكير التصميمي، وإحصاءات البيانات، وتحليل السياسات حول موضوعات مثل: التنمية الاقتصادية والتعليم والصحة.
تأسست شركة "دالبيرج" عام 2000، وتمتلك 30 فرعاً حول العالم.
4. شركة "سوشال إمباكت" (Social Impact)
وهي شركة استشارات إدارية متخصصة في التنمية العالمية، وتهدف إلى تعزيز فعالية التنمية من خلال الاستشارات والمساعدة التقنية وخدمات التدريب لوكالات المعونة والمنظمات غير الحكومية والحكومات. تتمثل رسالة مهمة الشركة في الحد من الفقر، وتحسين الصحة، وتعزيز النمو الاقتصادي، وحماية البيئة.
5. "مجموعة ويلان" (Whelan Group)
يقع مقر "مجموعة ويلان" في "نيويورك" (New York)، وهي شركة تقدم خدماتها حصراً للمنظمات غير الربحية في مجالات التعليم وتنمية المجتمع والفنون والثقافة والخدمات الاجتماعية. منذ عام 1980، ساعدت الشركة عملاءها في جمع تبرعات بلغت أكثر من مليار دولار من خلال المشاريع الاستراتيجية، مثل إطلاق برامج جديدة واستقطاب الجماهير.
أمثلة عن الشركات العامة التي تخصص قسماً للتأثير الاجتماعي:
إنَّ العمل في شركة استشارية عامة لديها قسم مخصص للتأثير الاجتماعي له إيجابياته وسلبياته؛ فمن جهة تتوفر المزيد من الفرص للعمل في أنواع أخرى من الاستشارات أو تولي مناصب في الشركة، إلى جانب الاستفادة من الاستثمارات الكبيرة التي تخصصها هذه الشركات في تنمية موظفيها مهنياً، كما من المحتمل أن تكون الرواتب فيها أعلى من الرواتب في الشركات المختصة بالتأثير الاجتماعي.
على الجانب الآخر، يعمل الموظفون لأكثر من 8 ساعات يومياً، وقد تصل ل 50 ساعة في الأسبوع اعتماداً على المشروع، بينما يتقاضون رواتب أقل من الموظفين الذين يعملون في مناصب مماثلة في الاستشارات التقليدية في نفس الشركة.
أمثلة عن هذه الشركات العامة:
1. شركة "ماكينزي" (McKinsey) لاستشارات القطاع العام والاجتماعي
في شركة "ماكينزي"، يعمل مستشارو التأثير الاجتماعي مع القطاع الاجتماعي والمنظمات الحكومية لتعزيز التقدم الاقتصادي والعافية النفسية؛ حيث تركز الشركة على المشاريع التي تحسِّن حياة وسبل عيش الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم، وقد أطلقت الشركة أكثر من 5400 مشروع ذي تأثير اجتماعي حتى الآن، وساعدت أكثر من 105 دول، وقدمت الخدمات لأكثر من 375 وكالة حكومية.
2. "مجموعة بوسطن الاستشارية" (Boston Consulting Group) للتأثير الاجتماعي والاستدامة
يساعد برنامج التأثير الاجتماعي في "مجموعة بوسطن الاستشارية" العملاء على إحداث تأثير اقتصادي وبيئي ومجتمعي إيجابي، وذلك عن طريق استخدام أساليب فعالة تدرُّ الأرباح على الأمد الطويل. يقوم نهج المجموعة على إقامة شراكات استراتيجية تتوافق مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. في عام 2021، أطلقت مجموعة بوسطن الاستشارية ما يقرب من 1300 مبادرة تأثير اجتماعي على مستوى العالم، من ضمنها العمل والمشاريع التطوعية، والتي استثمرت فيها 320 مليون دولار.
3. شركة "أكسنتشر ديفيلوبمنت بارتنرز" (Accenture Development Partners)
تقدم شركة "أكسنتشر" مبادرة تأثير اجتماعي تتضمن برنامج "تطوير المبتكرين الاجتماعيين" (Social Innovators Accelerator) الذي يهدف إلى تمكين الفِرَق العاملة في مجال تصميم وإنشاء وإطلاق برامج التأثير الاجتماعي. تتضمن هذه المبادرة مشاريع مع الصليب الأحمر، و"تحالف الشلل الدماغي" (Cerebral Palsy Alliance)، بالإضافة إلى الجهود المبذولة لمحاربة ظاهرة تسرب الأطفال من المدرسة قبل التخرج.
4. شركة "ديلويت لاستشارات التأثير الاجتماعي العالمي" (Deloitte Global Social Impact Consulting)
تركز مبادرة "ديلويت" (Deloitte) على القضايا المتعلقة بالصحة، والعافية، والطاقة، والبيئة، والفرص، والمرونة المجتمعية، وتعمل مع العملاء في القطاعات العامة والخاصة والاجتماعية على مستوى العالم.
كيفية الحصول على وظيفة في شركات استشارات التأثير الاجتماعي
الأمور التي يجب مراعاتها عند التقديم:
تزداد فرص الحصول على وظيفة في مجال استشارات التأثير الاجتماعي عند تحضير طلب توظيف مميز يبرز المهارات التحليلية، وحل المشكلات، والتفكير الاستراتيجي، والتواصل، بالإضافة إلى الاهتمام بموضوع التأثير الاجتماعي.
فيما يلي بعض النقاط الهامة:
1. امتلاك الخبرة
تبحث الشركات عن مرشحين عملوا في وظائف ذات صلة، أو أجروا تدريباً داخلياً، أو لديهم الخبرة اللازمة من خلال الأعمال التطوعية. وعلى الرغم من عدم الحاجة إلى الخبرة في مجال الاستشارات، ولكنَّ إظهار القدرة على العمل بفعالية مع الفريق لحل المشكلات الصعبة تميز المرشح.
2. إظهار الشغف
يجب أن يُظهر المرشح شغفه بالتأثير الاجتماعي؛ لأنَّ الشركات تبحث عن مرشحين مقتنعين بقِيَمها وملتزمين بإحداث التغيير المطلوب. يستطيع المرشح إبراز شغفه بالموضوع من خلال سرد تجاربه السابقة في الأعمال التطوعية، أو مشاركة دراساته الأكاديمية وأبحاثه المتعلقة بالتأثير الاجتماعي، أو التحدث عن مشروع مستقل، أو قصة شخصية أسهمت في حل قضية اجتماعية.
3. التعليم
عادةً ما تفضل الشركات الاستشارية في مجال التأثير الاجتماعي حملة شهادات إدارة الأعمال، أو الرعاية الصحية، أو السياسة العامة، ولكن يستطيع المرشحون التقديم بغض النظر عن مجال تخصصهم طالما أنَّهم أعدُّوا أنفسهم جيداً.
4. وضع قائمة بالشركات المستهدفة
يجب تحديد ما إذا كان المرشح يرغب بالتقدم إلى شركة متخصصة أم عامة؛ إذ يبدأ بعض المرشحين حياتهم المهنية في العمل في مجال الاستشارات العامة لاكتساب الخبرة قبل الانتقال إلى مجال التأثير الاجتماعي.
في حال كان أحد جوانب طلب التوظيف ضعيف، فيمكن تسليط الضوء على نقاط القوة الأخرى؛ فإذا كان المرشح يحمل شهادة في علوم الحاسوب مثلاً، ولكنَّ خبرته العملية محدودة، فإنه يستطيع إظهار شغفه بالتأثير الاجتماعي عن طريق مشاركة تجربته في الأعمال التطوعية، وإبراز قدرته على تطبيق مهاراته التحليلية في هذا المجال.
اجتياز مقابلة حالة التأثير الاجتماعي
يتطلب النجاح في مقابلات حالات التأثير الاجتماعي استخدام نفس مهارات معالجة الحالات المستخدَمة في المقابلات التقليدية في مجال الاستشارات، ولكنَّ الفرق بينهما هو أنَّ الهدف من هذه الحالات هو تحقيق أقصى قدر من التأثير، والذي يتم تقييمه باستخدام مقاييس مختلفة اعتماداً على النتيجة المطلوبة. من الهام أيضاً أن تسأل مسؤول التوظيف عن المقياس الذي يستهدفه العميل في حالة التأثير الاجتماعي، تماماً كما هو الحال في الاستشارات التقليدية. يُنصَح بإجراء مقابلات وهمية مع خبراء في التأثير الاجتماعي لكي تستعد جيداً للمقابلة الفعلية.
لنفترض أنَّ مؤسسة خيرية طلبت المساعدة في تخطيط ميزانية خاصة بمعالجة القضايا العامة الأكثر تأثيراً. يتطلب ذلك تقييم الاحتمالات الممكنة بناءً على معايير محددة مثل عدد الأشخاص المتأثرين بهذه الحالة، والنطاق الجغرافي، والاستدامة المالية. يتم بعدها إجراء تحليل كمي لتقييم تكاليف البرنامج، ووضع استراتيجيات لخفض التكاليف. في نهاية المطاف، يجب التوصية بالخيارات التي تحمل أعلى تأثير وتقديم اقتراحات للخطوات التالية.
تشمل الأمثلة الأخرى للحالات ما يلي:
- قدرة منظمة غير ربحية على زيادة عدد المتبرعين بالدم.
- قدرة مجموعة بيئية على زيادة الثقافة العامة حول مصادر الغذاء المستدامة وغير المستدامة.
- قدرة منظمة وطنية غير ربحية على تعزيز نجاح الطلاب في الكليات المجتمعية.
فرص العمل الممكنة بعد الخروج من شركة استشارات التأثير الاجتماعي
بعد العمل لعدة سنوات في شركة استشارات التأثير الاجتماعي، توجد العديد من الفرص لتطوير حياتك المهنية، حيث يمكنك مواصلة العمل في الشركة الحالية، والسعي لنيل الترقيات إلى أن تصبح شريكاً، أو البحث عن خيارات أخرى تناسب مهاراتك وأهدافك واهتماماتك.
تتضمن هذه الخيارات الممكنة ما يلي:
- الانتقال إلى شركة جديدة مختصة في مجال تفضله، أو متواجدة ضمن منطقة تود العمل فيها.
- العمل في منصب قيادي في منظمة غير ربحية أو مؤسسة اجتماعية، ووضع الاستراتيجيات وإنشاء مبادرات التأثير الاجتماعي.
- العمل في شركة ربحية مع فريق في مجال المسؤولية الاجتماعية، وإنشاء المبادرات لزيادة التأثير الاجتماعي والبيئي.
- العمل في مؤسسة أو صندوق استثمار لتحقيق التأثير الاجتماعي والبيئي الإيجابي القابل للتقييم، وربما تحقيق عائد مالي.
- تقديم المشورة حول السياسات والبرامج لمنظمات القطاع العام، مثل الوكالات الحكومية أو المنظمات متعددة الأطراف.
- نيل شهادة في الدراسات العليا في مجال مثل السياسة العامة، أو العدالة الاجتماعية، أو التنمية الدولية، أو الأعمال التجارية لاكتساب خبرات ووثائق اعتماد إضافية.
- العمل بصفة مستشار مستقل في مجال التأثير الاجتماعي أو في الشركات، لاكتساب خبرة متخصصة، أو كسب شريحة معينة من العملاء.
في الختام
العمل في مجال استشارات التأثير الاجتماعي ممتع للغاية، ويمنح المهارات والمعرفة اللازمة لتحسين العالم وترك تأثير إيجابي.
مساحة اعلانية
أحدث المقالات
ابق على اطلاع بآخر المستجدات
کن على اطلاع بآخر المقالات والمصادر والدورات القادمة