مستشارو التنوع والإنصاف والشمول: الدور، والمهارات، والتأثير المؤسسي
يشير مصطلح "التنوع والإنصاف والشمول" (DEI) إلى مجموعة السياسات والبرامج التي تهدف إلى تعزيز مشاركة وتمثيل الفئات المتنوعة داخل المؤسسات والمجتمعات. فعند سماع كلمة "التنوع"، قد يتبادر إلى الأذهان العِرق أو الأصل الإثني، إلا أنَّ المفهوم أوسع بكثير، فهو يشمل النوع الاجتماعي، والقدرات الجسدية والعقلية، والانتماءات الدينية، والثقافات المختلفة، والفئات العمرية، وغيرها من الفروقات البشرية.
يقدم التنوع في بيئة العمل فوائد كثيرة، لكنَّ هذه المنافع لا تتحقق فعلاً إلا إذا كان هناك إنصاف وشمول في السياسات والممارسات المؤسسية. هنا، يبرز دور مستشاري التنوع والإنصاف والشمول، فهم مسؤولون عن ترسيخ ثقافة العدالة وتقبُّل الاختلاف في المؤسسات.
يستعرض هذا المقال مهام مستشاري التنوع والإنصاف والشمول، ومتى تحتاج المؤسسات إلى خدماتهم، وأبرز التحديات التي يواجهونها، وكيف يمكن للمرء أن يصبح مستشاراً في هذا المجال.
خلاصة القول:
يساعد هؤلاء المستشارون المؤسسات على وضع وتنفيذ سياسات واستراتيجيات تعزز التنوع وتضمن العدالة والشمول. تشمل مهامهم: مراجعة السياسات الحالية، وتحديد الأهداف بوضوح، وتطوير أدوات قياس الأداء، وتقديم الدعم اللازم على طول الطريق.
مهام مستشار التنوع والإنصاف والشمول
عندما ترغب مؤسسة في تطوير ممارسات التنوع والعدالة والشمول، فإنَّ أول ما تفكر به عادةً هو الاستعانة بخبير في هذا المجال. إذ يستطيع هؤلاء المستشارون، بخبرتهم ونظرتهم الخارجية المحايدة، تحليل الوضع بدقة واقتراح استراتيجيات فعالة.
في ما يلي، 5 مهام رئيسة يقوم بها مستشار التنوع والإنصاف والشمول الجيد:
1. تدقيق الوضع الراهن داخل المؤسسة
تظن بعض المؤسسات أنَّ تنظيم ورشة تدريبية حول التنوع كافٍ، لكنَّ المستشار المحترف يتجاوز ذلك بكثير. فلكي يتحقق التحول الحقيقي، لا بد من تدقيق شامل يغوص في عمق البنية المؤسسية: البيانات السكانية، وسياسات الموارد البشرية، وأساليب المحاسبة والانضباط، وغيرها.
يراجع المستشار الوثائق المتعلقة بهذا الموضوع، ويجري مقابلات مع الموظفين والإداريين وأصحاب المصلحة. فإن كانت المؤسسة قلقة بشأن خصوصية المعلومات، فيمكنها مطالبة المستشار بتوقيع اتفاقية عدم إفشاء (NDA) لضمان السرية، بدلاً من إخفاء المعلومات الضرورية للحصول على تقييم دقيق.
2. مساعدة المؤسسة في صياغة أهداف واستراتيجيات التنوع والإنصاف والشمول
غالباً ما تستعين المؤسسة بمستشار لأنَّها تشعر بوجود خلل، لكنّها لا تعلم موضعه بالضبط. أي السياسات لا تعمل؟ وأين يكمن الخلل؟ هنا يأتي دور المستشار في طرح أسئلة جوهرية مثل: "ما أبرز المخاوف لديكم؟" أو "ما شكل النجاح الذي تتمنونه؟".
انطلاقاً من هذه الأسئلة، يضع المستشار خارطة طريق خاصة بالمؤسسة، ويقترح حلولاً مصممة حسب احتياجاتها الفريدة، فليس هناك حل واحد يناسب المؤسسات جميعها. مثلاً، إذا أجرت الشركة عدد كبير من التدريبات دون أي تحسن ملموس، فالمستشار الذكي سيدرك أنَّ مزيداً من التدريب لن يكون هو الحل هذه المرة.
3. تقييم جهود المؤسسة ومتابعة التقدُّم
كيف تعرف المؤسسة ما إذا كانت جهود المستشار تُؤتي ثمارها؟ يمتلك المستشار أدوات تقييم دقيقة، منها ما هو كمّي (إحصاءات وأرقام)، ومنها ما هو نوعي (انطباعات وآراء العاملين).
من الأفضل أن تُحدَّد هذه الأدوات ضمن بنود العقد منذ البداية، كما يقدم المستشار المتمكِّن توصيات عملية، ويتابع التنفيذ بانتظام، خاصة في العقود طويلة الأمد. من مهامه المتكررة: إعداد تقارير دورية، وجمع التغذية الراجعة من الموظفين وأصحاب المصلحة، وتعديل الخطة حسب ما تقتضيه تطورات واقع المؤسسة.
4. دعم المؤسسة في استقطاب الموظفين الموهوبين والحفاظ عليهم
حين يشعر الموظف أنه غير مرحَّب به أو مهمَّش، يبدأ فوراً في البحث عن مؤسسة تقدِّر جهوده وإمكاناته، كما تؤدي ممارسات الإقصاء ومشكلات التنوع والشمول إلى ارتفاع معدل دوران العمالة. أما عندما توفر المؤسسة بيئة منصفة وشاملة، فإنَّها لا تحتفظ بكوادرها فحسب، بل تستقطب أيضاً كفاءات جديدة تنسجم مع قِيَمها.
في هذه المرحلة، يساعد المستشار المؤسسة على إشراك الموظفين فعلياً في رحلة التنوع والإنصاف، والتعامل مع أية مقاومة أو خوف من التغيير. من الوسائل المتاحة: تقديم ورش عمل وتدريبات وندوات، وتصميم أنظمة توظيف عادلة، وإطلاق مجموعات دعم داخلية، وتفعيل قنوات تواصل مفتوحة وفعالة.
5. ضمان امتثال المؤسسة لقوانين وتشريعات التنوع والشمول والإنصاف
رغم أنَّ مبادرات التنوع والإنصاف تمنح المؤسسات ميزة تنافسية، فإنَّ تنفيذها دون دراية كافية قد يعرِّضها لمخاطر قانونية.
لذا يحرص المستشار على متابعة التشريعات المتعلقة بجمع البيانات، وقوانين العمل، وسياسات مكافحة التمييز. كما يجب أن يكون ملِماً بالتحديات القانونية والسياسية التي قد تحيط بهذا المجال، لا سيما في البلدان التي تشهد جدلاً حول هذه القضايا.
على سبيل المثال، ذكرت إذاعة "إن بي بي آر" (NPR) أنَّ نشطاء قانونيين محافظين في الولايات المتحدة بدأوا باستهداف برامج التنوع والإنصاف بعد توسعها في أعقاب احتجاجات "حياة السود هامة" (Black Lives Matter) عام 2020. فمع قانون منع التمييز الإيجابي (Affirmative Action) في الجامعات الأمريكية، قد تتجه المعركة نحو برامج التنوع والإنصاف والشمول في القطاع الخاص أيضاً.
هذا مجرد مثال واحد من قضايا الامتثال التي يجب أن يتابعها مستشار التنوع والإنصاف والشمول عن كثب.
ما الذي ينبغي معرفته عن العمل كمستشار في مجال التنوع والإنصاف والشمول؟
يقدم "إيفان سوكن" (Evan Soken)، وهو تربوي وأخصائي اجتماعي يتمتع بخبرة تتجاوز العقد في التعليم العام والعدالة الاجتماعية، نصيحة جوهرية لأي شخص يعمل في هذا المجال:
لا تعمل منفرداً.
حتى لو كنت مستشاراً مستقلاً، فإنَّ العمل في مجال التنوع والإنصاف والشمول يتطلب وجود شبكة داعمة. التواصل المستمر مع زملاء في المجال يمنحك القوة، والمساءلة، والقدرة على مواجهة التحديات.
إنّ هذا النوع من العمل معقد، وقد يتطلب منك التفاعل مع تجارب ومجتمعات بعيدة عن محيطك المعتاد. يُعد وجود زملاء متنوعين يدعمونك، ويشجعونك، وينبهونك عند الحاجة، هو عنصر أساسي لممارسة هذا العمل بفعالية ووعي.
متى تحتاج المؤسسات إلى مستشار التنوع والإنصاف والشمول؟
عادةً ما تُطرح مبادرات التنوع والإنصاف والشمول ضمن السياق المؤسسي للشركات، لكنَّ الحقيقة أنَّ جميع أنواع المؤسسات يمكن أن تستفيد من استشارة في هذا المجال، بما في ذلك المدارس، والمنظمات غير الربحية، والجهات الحكومية، ومكاتب المحاماة، والمستشفيات وغيرها.
في ما يلي، 5 مؤشرات تدل على أنَّ المؤسسة قد تكون بحاجة فعلية إلى خبير التنوع والإنصاف والشمول:
1. عدم وجود استراتيجية واضحة لمبادرات التنوع والإنصاف والشمول
عندما تفتقر المؤسسة إلى أهداف أو أدوات تقييم نجاح المبادرات، تكون بحاجة إلى خبير يرسم لها خريطة طريق واضحة. قد يؤدي العمل من الصفر من دون إشراف مختص إلى نتائج عكسية، بل ومخاطر قانونية أحياناً.
2. صعوبة في استقطاب أو الاحتفاظ بقوى عاملة متنوعة
تشير الدراسات إلى أنَّ الفِرَق المتنوعة تُظهِر مستويات عالية من الإنتاجية، والقدرة على الابتكار وحل المشكلات، ومع ذلك، تواجه عديد من المؤسسات صعوبة في تنويع القوى العاملة، وقد يُحبَط الموظفون الحاليون والمرشحون عندما لا يتوفر خبير مختص بتطبيق ممارسات التنوع والشمول.
3. مقاومة داخلية للتغيير أو التشكيك في المبادرات
تحاول بعض المؤسسات تطبيق التنوع والإنصاف والشمول من خلال مسؤولين داخليين أو لجان متخصصة، لكن قد يُقابل ذلك بمقاومة من الموظفين.
لا تعني هذه المقاومة بالضرورة معارضة المفهوم، بل قد تكون نتيجة لاختلاف في الرؤى حول الوسائل المناسبة. هنا، يأتي دور المستشار كوسيط يُسهم في بناء جسور التفاهم.
4. استخدام لغة قديمة أو غير شاملة
قد تتضمن رسائل المؤسسة، من إعلانات التوظيف إلى الكتيِّبات ومواقع الإنترنت، عبارات تُقصي فئات معينة من دون قصد. بإمكان المستشار مراجعة هذه اللغة وتقديم بدائل تراعي التنوع وتحترم الجميع.
5. تزايد الشكاوى المرتبطة بالتمييز أو التحيُّز
تكتشف بعض المؤسسات قصور جهودها في التنوع والإنصاف والشمول فقط بعد وقوع حادثة تهز ثقافة العمل. فعندما تتكرر شكاوى التمييز أو التحيز دون معالجة فعالة، فهذه إشارة واضحة إلى ضرورة الاستعانة بخبير مختص.
أبرز التحديات التي تواجه جهود التنوع والإنصاف والشمول
العمل في هذا المجال ليس سهلاً، وهناك معوقات متكررة ينبغي أن يدركها المستشار الجيد. من بين أبرز هذه التحديات:
1. عدم تحديد الجذور الحقيقية للمشكلة
تفشل عديد من المبادرات خلال المراحل الأولى لأنَّ الخبير لم يحلل وضع المؤسسة بدقة وأخفق في تحديد المشكلات الأساسية. فقد تدرك المؤسسة مثلاً أنَّ قيادتها غير متنوعة، أو أنَّ نسبة دوران الموظفين مرتفعة، لكن إن لم تُحدد الأسباب الحقيقية وراء ذلك، فكل محاولاتها ستكون سطحية وفاشلة. تتكرر المشكلات عندما تفشل المبادرات في معالجة أسبابها الأساسية.
2. ضعف الالتزام الفعلي من قبل القيادة
رغم إدراك المؤسسات لأهمية التنوع والإنصاف والشمول في تعزيز سمعتها، إلا أنَّ بعض القيادات لا تُبدي التزاماً حقيقياً بالتغيير. إذ يكتفون بإجراءات سطحية ووعود لا يقدرون على الوفاء بها بدل تطبيق سياسات شاملة. تفشل الجهود في إحداث تغيير حقيقي حين يصبح التنوع والإنصاف والشمول مجرد وسيلة للعلاقات العامة.
3. سوء تقدير حجم العمل والزمن المطلوب
يحذّر "إيفان سوكن" من ميل المؤسسات إلى تبسيط حجم العمل اللازم لإحداث فرق حقيقي، ففي تجربته كمستشار مستقل خلال السنوات الثلاث الماضية، وجد أنَّ عديداً من العملاء يتوقعون نتائج فورية من خلال بعض التدريبات أو تعديل السياسات فقط.
ويقول: "في كثير من الأحيان، يتطلب التغيير الذي يسعون إليه عملاً عميقاً ومؤلماً على مستوى العلاقات بين الزملاء، وتحوّلات كبيرة في ثقافة المؤسسة. فغالباً ما تسارع القيادات إلى إطلاق وعود كبرى بدافع النية الحسنة، لكن دون التشاور الكافي مع المعنيين لفهم ما يلزم لتنفيذ تلك الوعود فعلياً."
كيف تصبح مستشاراً للتنوع والإنصاف والشمول؟
لا يوجد مسار أكاديمي واحد وواضح يؤهلك للعمل كمستشار في التنوع والإنصاف والشمول. لكن غالباً ما يُتوقع من المهتمين بهذا المجال أن يكونوا حاصلين على شهادة جامعية في أحد التخصصات ذات الصلة مثل: حقوق الإنسان، أو العدالة الاجتماعية، أو التواصل، أو دراسات النوع الاجتماعي، أو التاريخ، أو العلوم الاجتماعية، أو علم النفس، أو غيرها من الدراسات متعددة التخصصات. مع ذلك، تميل المؤسسات إلى تقييم المستشارين بناءً على تجاربهم العملية ومهاراتهم الفعلية أكثر من مجرد نوع الشهادة التي يحملونها.
بالنسبة لـ"إيفان سوكن"، فقد وُلد اهتمامه بهذا المجال من خلال تجاربه الشخصية كفرد متعدد الأعراق، ومن خلال عمله في بيئات مؤسسية ذات رسائل اجتماعية واضحة. منحته هذه التجارب الفرصة للمشاركة في مبادرات متنوعة، والعمل ضمن فِرَق تهتم بالتنوع والعدالة، مما شكّل أساساً صلباً لانطلاقه كمستشار.
تشترط بعض المؤسسات من المستشارين الحصول على درجة الماجستير في مجالات مثل تطوير المؤسسات، أو إدارة الموارد البشرية، أو التكنولوجيا التعليمية. بينما تكتفي مؤسسات أخرى بالحصول على شهادات مهنية متخصصة في التنوع والإنصاف والشمول.
أفضل المستشارين في هذا المجال لا يتوقفون عن التعلم.
فهم يحرصون على حضور الورش المتخصصة، والندوات، والدورات التدريبية ليبقوا على اطلاع دائم بأحدث النظريات والممارسات. كما يتميّزون بقدرتهم على إدارة الحوارات المعقّدة والحساسة بأسلوب مهني يحترم جميع الأطراف.
الذكاء العاطفي العالي، والالتزام الحقيقي بقِيَم الشمولية والعدالة—ليس فقط في بيئة العمل بل في حياتهم الشخصية أيضاً—هي من السمات الجوهرية للمستشار الناجح.
فمن خلال هذه الصفات، يساعد المؤسسة على تصميم وتنفيذ استراتيجية فعّالة ومستدامة تُعزز ثقافة الشمول وتحمي الموظفين وتُضفي طابعاً مميزاً على المؤسسة في سوق العمل.
في الختام
لم يعد من الممكن تجاهل أهمية التنوع والإنصاف والشمول داخل المؤسسات في عالم يتّجه بخطى سريعة نحو التعددية والانفتاح.
إنّ هذه المبادئ ليست مجرّد شعارات، بل هي أدوات عملية لبناء بيئة عمل عادلة، صحية، ومنتجة. فمع تزايد إدراك المؤسسات لحاجتها إلى التغيير، يبرز دور مستشار التنوع والإنصاف والشمول كصوت محايد وخبير يقود الحوار، ويكشف التحيّزات، ويساعد على رسم سياسات أكثر عدلاً واستدامة.
يتطلب هذا الدور مزيجاً من المعرفة الأكاديمية، والخبرة الحياتية، والقدرة على التواصل الفعّال، بالإضافة إلى حس إنساني عالٍ. لأنَّ التغيير الحقيقي لا يحدث بين ليلة وضحاها، فإنَّ هذا المجال يحتاج إلى من يؤمنون بعمق برسالته، ويثابرون على مواصلة التعلّم والمشاركة والدعم الجماعي.
Ads space
Latest Articles
Stay up-to-date with the latest
Be aware of the latest articles, resources and upcoming courses