مستشارو إدارة التغيير: قيادة المؤسسات تجاه التحول (الجزء الأول)
يؤدي مستشارو إدارة التغيير دوراً جوهرياً في تحقيق النجاح التنظيمي ضمن عالم الأعمال الديناميكي والمعقد؛ إذ يقود هؤلاء الخبراء المؤسسات خلال فترات التغيير الجذري، ويضمنون الانتقالات السلسة ويحدون من الاضطرابات من خلال دمج الاستراتيجيات النفسية والتقنية وإدارة المشروعات، مما يعزز في النهاية الكفاءة والإنتاجية ويحقق الأهداف المرجوَّة. يناقش المقال بجزأيه أهمية الدور الذي يؤديه هؤلاء المستشارون ويقدِّم أفكاراً شاملة ودقيقة عن قطاع الاستشارات، ومتطلباته، ومكاسبه.
مستشارو إدارة التغيير
مهام مستشاري إدارة التغيير
يعدُّ استشاريو إدارة التغيير الأبطال المجهولون في عالم التحولات التنظيمية، فهم يتدخلون عندما تواجه الشركات اضطرابات ناتجة عن عمليات الدمج، أو الاستحواذ، أو التطورات التكنولوجية، أو تغيرات التوجهات الإستراتيجية. تشير دراسة أجرتها شركة "بروسكي" (PROSCI) المتخصصة في إدارة التغيير المؤسسي أنَّ التطبيق الفعال لخطط إدارة التغيير، يرفع تحقيق أهداف المشروعات بقرابة 6 أضعاف، فيضمن هؤلاء الاستشاريون أن تكون الانتقالات سلسة، مما يقلل من الاضطرابات ويزيد الكفاءة.
تعتمد مسؤوليات هؤلاء المستشارين على التخطيط الإستراتيجي، ومبادئ علم النفس، وإدارة المشروعات، فيقيِّمون الوضع الراهن للمؤسسة، ثم يحددون المجالات الرئيسة التي تتطلب التغيير، ويطورون خطة لتنفيذ هذه التغييرات، ومن الضروري أن يكون لدى مستشاري إدارة التغيير خبرة في مجالات، مثل تطوير المؤسسات، وإدارة الأعمال، وعلم النفس.
تخصيص الاستراتيجيات لكل منظمة
تختلف استراتيجيات مستشاري إدارة التغيير بين منظمة وأخرى، فيجب عليهم تخصيص استراتيجياتهم لتناسب ثقافة واحتياجات كل منظمة، فمثلاً تحتاج شركة تقنية تخضع لنظام تخطيط موارد المؤسسات (Enterprise Resource Planning (ERP إلى متطلبات مختلفة تماماً عن شركة رعاية صحية تندمج مع أخرى. تؤكد الشركة العالمية للاستشارات "إن إم إس الاستشارية" (NMS Consulting) أنَّ التدخلات الناجحة، تعتمد اعتماداً رئيساً على فهم الجوانب التقنية والعاطفية للتغيير.
تشدد الشركة الاستشارية المتخصصة في التغيير المؤسساتي "نورث هايلاند" (North Highland) على ضرورة انخراط المستشارين مع الموظفين في جميع مستويات المنظمة من المدراء التنفيذيين وحتى أبسط الموظفين، وذلك لضمان قبول وتحمُّل مسؤولية عملية التغيير. تتطلب هذه المرحلة من المستشارين تطوير مهارات التعامل مع الآخرين، ويجب عليهم إجراء جلسات تدريبية، وورشات عمل، وندوات لتجهيز الموظفين لمرحلة التغيير القادم.
تقييم النجاح
يبرز تأثير عمل استشاري إدارة التغيير من خلال عدة مؤشرات، مثل مستوى مشاركة الموظفين، فتؤكد تقارير مؤسسة "غالوب" (Gallup) أنَّ مستوى المشاركة، يزداد بقرابة 29% عندما يُتعامَل مع التغيير بفعالية، وتبرز فعالية المستشار من خلال مؤشرات، مثل جداول المشروع، والالتزام بالميزانية، ورضى العملاء. تبدو النتائج النهائية لعمل الاستشاري أكثر وضوحاً في دراسات الحالة التي توفر أدلة ملموسة على القيمة التي يضيفونها.
يعدُّ دور مستشاري إدارة التغيير أساسياً لازدهار ونمو المنظمات؛ لأنَّّهم يرسمون خطط التغيير الذي يشكل حجر الأساس المتين للنجاح المستقبلي.
المهارات والمؤهلات الأساسية لاستشاري إدارة التغيير
المهارات والمؤهلات المطلوبة لنجاح مستشار إدارة التغيير
يتطلب نجاح مستشار إدارة التغيير مجموعة من المهارات التخصصية والشخصية، وأهمها القدرة على تحليل البيانات، وإدارة المشروعات، وقيادة الفرق، مع التواصل الفعَّال مع جميع المعنيين من مختلف مستويات المنظمة.
تؤكد دراسات شركة "إن إم إس الاستشارية" أنَّ معظم الناجحين في مجال إدارة التغيير لديهم خبرات سابقة في تطوير المنظمات، وإدارة الموارد البشرية والمشروعات التجارية. توفر هذه المجالات فهماً أساسياً لكيفية عمل الشركات وعلم نفس التغيير.
يمتلك استشاريو إدارة التغيير الناجحون شهادات خبرة في مجال إدارة التغيير، مثل "شهادة بروسكي لإدارة التغيير" (PROSCI Change Management Certification) و"شهادة آجيل" (Agile Certification). تؤكد منصة "كابتيرا" (Capterra) أنَّ أكثر من 85% من استشاريي إدارة التغيير البارزين، يمتلكون شهادة احترافية واحدة على الأقل، مما يعكس التزامهم بالتعلم المستمر والامتثال لمعايير القطاع الاستشاري.
أهمية الخبرة وفق الدراسات
تُعدُّ الخبرة العامل الذي يدل على فعالية استشاري إدارة التغيير، فكشفت تقارير من شركة الخدمات المهنية متعددة الجنسيات "برايس ووتر هاوس كوبرز" (PwC) عام 2020 أنَّ المنظمات التي تعتمد على استشاريين ذوي خبرة تزيد عن 10 سنوات، حققت معدل نجاح أعلى بنسبة 65% في تنفيذ المبادرات الجديدة مقارنة بتلك التي تعتمد على استشاريين أقل خبرة.
تؤدي خصائص الأدوار والمسؤوليات داخل إدارة التغيير أيضاً دوراً حيوياً، فيتمتع الاستشاريون الفعَّالون غالباً بخبرة عملية في قيادة مبادرات التغيير بشمولية، مما يضمن قدرتهم على التعامل مع عقبات التغيير المحتملة.
فيما يأتي 4 مهارات ضرورية لنجاح مستشار إدارة التغيير:
1. المرونة: التعامل مع الضغوطات
تُعدُّ القدرة على التكيف والمرونة سمات حاسمة أيضاً لاستشاريي إدارة التغيير، وتشير دراسة من "جامعة إيموري" (Emory University) الأمريكية إلى أنَّ احتمال نجاح مبادرات التغيير في الشركات التي تعدل استراتيجياتها بديناميكية وتتعامل مع الضغوطات بإيجابية أكثر بنسبة 50% من غيرها.
يتضح بالنظر إلى تجارب التغيير الناجحة أنَّ استشاريي إدارة التغيير الذين يتحملون الضغط ويركزون على أهدافهم، يحققون نتائج أكثر فعالية، وتُعدُّ هذه المرونة ضرورية للتعامل مع مقاومة التغيير الحتمية التي ستواجهها المنظمات.
2. التواصل: الرابط الذي يجمع كل شيء معاً
يؤكد المحللون في شركة "كي بي إم جي" (KPMG) الهولندية-البريطانية أنَّ الاستشاريين الفعَّالين، يخصصون قرابة 60% من وقتهم في التواصل مع مختلف الجهات لضمان التوافق ومعالجة المخاوف؛ لذا فإنَّ القدرة على التواصل بوضوح وإقناع وتعاطف أمر هام للغاية.
يؤكد الدكتور "جون كوتر" (John Kotter) من "كلية هارفارد للأعمال" (Harvard Business School) في أبحاثه أنَّ التواصل هو حجر الزاوية في أية استراتيجية لإدارة التغيير؛ لأنَّ التواصل الضعيف سبب رئيس لفشل مبادرات التغيير وهو المسؤول عن 70% من محاولات التحول الفاشلة.
3. الكفاءة التقنية والتفكير الإبداعي
ازدادت أهمية المهارات التقنية في العصر الرقمي، مما يفرض على عاتق خبراء إدارة التغيير مهمة إجادة العمل على أنظمة "تخطيط موارد المؤسسة"، وبرمجيات "إدارة علاقات العملاء" (CRM ) وأدوات تحليل البيانات. تشدد شركتا "مايكروسوفت" (Microsoft) و"بيرنغ بوينت" (BearingPoint) على أهمية مواكبة كل جديد في عالم التكنولوجيا بوصفه عاملاً أساسياً في تسهيل عمليات التغير المؤسساتي.
يُعدُّ التفكير الإبداعي أيضاً سمة مميزة لاستشاريي إدارة التغيير الرائدين، وتُظهر الأبحاث من جامعة "نورث وسترن" أنَّ الاستشاريين الذين يستخدمون مهارات حل المشكلات الإبداعية ويفكرون تفكيراً مبتكراً، يكونون أكثر نجاحاً في مساعدة الشركات على التعامل مع التغييرات المعقدة.
4. الالتزام بالمعايير الأخلاقية
يُعدُّ السلوك الأخلاقي والنزاهة عاملَين محوريين في مجال الاستشارات، وتشير مجلة "إيثيكال بوردروم" البريطانية (Ethical Boardroom) إلى أنَّ الاستشاريين الذين يتَّبعون المعايير الأخلاقية، لديهم علاقات أقوى مع العملاء، مما يعزز الثقة المطلوبة لتحقيق التغيرات المؤسساتية الناجحة، فيُعيد العملاء التعاون معهم. أفاد 74% من العملاء أنَّهم يميلون إلى العمل مجدداً مع الاستشاريين الذين أظهروا مبادئاً أخلاقية قوية خلال تعاملاتهم السابقة.
دراسة حالة: التحول التنظيمي الناجح
1. شركة تكنولوجيا مزدهرة تخطُّ قصة نجاحها: تطبيق نظام "تخطيط موارد المؤسسة" بنجاح
يعدُّ تطبيق نظام "تخطيط موارد المؤسسة" في هذه الشركة التكنولوجية الكبيرة أمراً شبه مستحيل، ولكن قلبَت تلك الشركة وبمساعدة استشاريي إدارة التغيير من شركة "نورث هايلاند" المعادلة لصالحها.
2. تطور ملحوظ: تحسين بنسبة 95% في معدل اعتماد النظام
واجهت الشركة صعوبة في دمج النظام الجديد، فأدت مقاومة الموظفين للتغيير وعدم التواصل إلى اضطرابات تشغيلية شديدة. بدأ فريق "نورث هايلاند" عملهم بإشراك الموظفين من جميع المستويات مع التركيز على التواصل الواضح والمتسق، ونظَّم الفريق أيضاً ورشات عمل وجلسات تدريبية بفضل خبرتهم الواسعة في التعامل مع تطبيق النظام الجديد، فتقدَّم معدل اعتماد النظام بنسبة 65% في غضون 6 أشهر فقط.
3. النهج الاستراتيجي: برامج تدريب مخصصة
نفَّذ فريق إدارة التغيير برامج تدريب مخصصة لكل قسم بوصفها جزءاً من عملية التحول، وتناولت هذه البرامج الوظائف التشغيلية، فأكدت على التحول الثقافي تجاه بيئة يسودها التعاون. قلَّلت "نورث هايلاند" من مقاومة الموظفين للتغيير؛ بل وأثارت حماستهم لتبنِّي النظام الجديد من خلال إشراكهم في تصميم وتنفيذ التدريب.
4. النتيجة: انتقال سلس إلى النظام الجديد
انتقلت الشركة بنجاح للنظام الجديد بفضل نهج "نورث هايلاند" العملي والتخطيط الدقيق، مما قدَّم دراسة حالة مثيرة للاهتمام حول كيفية تشجيع إدارة التغيير الفعالة على اعتماد التكنولوجيا وتحسين الأعمال. تتمتع شركة التكنولوجيا اليوم بنظام عمل أكثر سلاسة ومعنويات عالية بين الموظفين، مما يوضح توضيحاً لا لَبس فيه أنَّ التدخل لم يكن مجرد حل مؤقت؛ بل ميزة استراتيجية طويلة الأمد.
5. رؤية الخبراء: الفوائد طويلة الأمد لإدارة التغيير الشاملة
تقول الدكتورة "جين سميث" (Jane Smith)، الخبيرة المعروفة في تغيير المنظمات من جامعة "نورث وسترن الأمريكية" (Northwestern University): "لا يتعلق تنفيذ نظام "تخطيط موارد المؤسسة" بنجاح بالخطوات التقنية للتطبيق فقط؛ بل يتجاوزها ليشمل إشراك الموظفين ومعالجة مخاوفهم وتمكينهم من رؤية فرص النمو." يعدُّ العنصر البشري عاملاً حاسماً لضمان النجاح المستدام لمبادرات التغيير.
رؤى الخبراء حول استراتيجيات إدارة التغيير
استراتيجيات ثورية من استشاريين ذوي خبرة
نستعرض فيما يأتي بعض أراء الخبراء حول الاستراتيجيات الفعالة التي يمكن أن تتبناها الشركات لتتعامل مع التغيير تعاملاً صحيحاً:
يؤكد الدكتور "جون كوتر" (John Kotter)، خبير إدارة التغيير المرموق والأستاذ في "كلية هارفارد للأعمال" ضرورة وجود شعور بالإلحاح، ويوضح في كتابه "قيادة التغيير" (Leading Change) أنَّ 70% من مبادرات التغيير تفشل بسبب نقص هذا الشعور، ويشدد على أهمية فهم الشركات لسبب الحاجة إلى التغيير.
تقول شركة الاستشارات العالمية "مكنزي وشركاؤه" (McKinsey & Company) إنَّ المنظمات التي تمكَّن موظفوها من فهم ودعم التغيير، لديها نسب نجاح 3.7 مرة أكبر من غيرها لتحقيق تحولات ناجحة. يؤكد هذا أهمية التواصل والتفاعل الحقيقي للموظفين خلال المرحلة الانتقالية.
خبرة عملية من قادة الصناعة
تؤكد "إليسا ستيل" (Elisa Steele)، الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة الإدارة البشرية "نيملي" (Namely) أهمية القيادة خلال المراحل الانتقالية، وتقول: "تضافر جهود الموظفين مرهون باتفاق القادة، فيجب على الإدارة أن توحِّد كلمتها." تُعدُّ تجربة "إليسا" هامة في ظل التحديات التي تواجهها الشركات في مواجهة موجات التغيير.
استراتيجيات فعالة على أرض الواقع
أظهر تقرير من شركة "ديلويت" (Deloitte) أنَّ الشركات التي تعتمد على التواصل الفعال لديها فرصة أكبر بمعدل 2.5 مرة لتتفوق على نظيراتها (ديلويت، 2019)، مما يشير إلى أنَّ الحصول على القدر الكافي من المعلومات، يُعَد أمراً حاسماً في رحلة التغيير.
اقتباس عن لسان الخبراء
تقول "غابرييل أوبراين" (Gabrielle O'Brien)، المستشارة العليا في شركة "برايس ووتر هاوس كوبرز": "إنَّ إشراك الموظفين في عملية التغيير، يخفف من مقاومتهم لها ويعزز عملية التغيير من خلال دمج رؤاهم فيها."
دراسات حالة: الرهان على إدارة التغيير
أظهرت شراكة "نورث هايلاند" مع "مايكروسوفت" (Microsoft) في تنفيذ نظام "تخطيط موارج المؤسسة" أنَّ تدريب المستخدمين وتوفير حلقات تغذية راجعة مستمرة، يمكن أن يقلل من المشكلات التي تلي التنفيذ بنسبة 40%، فنجحت استراتيجيتهم المتعلقة بتغيير الأدوار.
1. معالجة المخاطر المحتملة
المخاطر في التنفيذ: لا تتم جميع مبادرات التغيير بسلاسة، فوجدت دراسة أجرتها شركة الاستشارات العالمية "باين وشركاؤه" (Bain & Company) أنَّ 12% فقط من مبادرات التغيير تحقق أهدافها. تبرز عدة عوامل رئيسة مسؤولة عن هذا الفشل، أهمها نقص مشاركة الإدارة العليا، مما عطَّل عدداً من المشروعات التي كانت تُبدي بوادر النجاح.
2. التكيف والتأمين للمستقبل
يشدد "مارك إيفرون" (Marc Effron)، مؤسس "مجموعة تالنت ستراتيجي" (The Talent Strategy Group) المتخصصة في تقديم الاستشارات المتعلقة بالإدارة البشرية على أهمية التكيف في استراتيجيات التغيير. يتطور عالم الأعمال باستمرار وينبغي أن تواكب الاستراتيجيات المتَّبعة هذا التطور لضمان توافقها مع الأهداف التنظيمية الأوسع.
في الختام
ناقشَ هذا القسم من المقال الدور الحيوي الذي يؤديه مستشارو إدارة التغيير في تحقيق الأهداف التنظيمية وتعزيز بيئة عمل مستدامة، وكيف يحوِّلون التحديات إلى فرص ويضمنون أن تصبح المؤسسات أكثر استعداداً لمواجهة المستقبل بفضل مهاراتهم في التواصل الفعال، والمرونة، والابتكار؛ إذ يبقى دورهم محورياً في عالم سريع التغير لضمان التحول الناجح والنمو المستدام. سنناقش في القسم الثاني الاتجاهات الحديثة في استشارات إدارة التغيير وأثرها الكبير في المؤسسات.
يتضح دور هذه العناصر في تحقيق التحول الناجح من دمج التقنيات الناشئة والتركيز على رفاهية الموظفين إلى اعتماد المنهجيات المرنة وتخصيص الاستراتيجيات، وسنتناول أهمية فهم الثقافة التنظيمية والتغلب على التحديات لضمان تحقيق الأهداف والنمو المستدام في عالم الأعمال المتغير.
Ads space
Latest Articles
Stay up-to-date with the latest
Be aware of the latest articles, resources and upcoming courses