مستشار الاتصال بين الثقافات: تعريفه، ومهامه، ومؤهلاته
إذا كنت مهتماً بالتفاعل والتعاون بين اللغات والثقافات المختلفة في بيئة عملك، فقد يكون مجال استشارات التواصل بين الثقافات خياراً مهنياً مناسباً وطبيعياً لك.
أصبحت الحاجة إلى مستشاري الاتصال بين الثقافات ضرورة ملحة مع تزايد أهمية الاتصال التجاري بين الثقافات في سياق العولمة، لما لهم من دور محوري في تعزيز بيئات العمل الصحية وضمان استدامة النجاح التجاري.
ما هو الاتصال التجاري بين الثقافات؟
يشير مصطلح "الاتصال التجاري بين الثقافات" إلى تبادل المعلومات بين ثقافتين أو أكثر ضمن إطار الأعمال.
يشمل هذا الاتصال الحوارات اليومية بين موظفين من خلفيات ثقافية مختلفة، والتعاون بين شركات توجد في بلدان متنوعة؛ بل وحتى الحملات التسويقية التي تستهدف جماهير تختلف ثقافياً عن التركيبة الحالية للمؤسسة.
أتاح لنا عصر العولمة الوصول إلى جماهير عالمية، كما مكَّن الشركات من تشكيل فِرَق عمل متنوعة ثقافياً تفتح آفاقاً واسعة للنمو، شريطة أن تتعامل المؤسسات بفعالية مع الفروقات الثقافية الدقيقة، لكن للأسف، لا تمتلك عدد من المؤسسات الأدوات الكافية لتلبية احتياجات فِرَق العمل المتنوعة لغوياً وثقافياً، وقد يؤدي ذلك إلى سوء الفهم داخل مكان العمل، أو فشل في الاستراتيجيات التسويقية، أو حتى إخفاقات في التوسع إلى أسواق أجنبية.
يتطلب فهم القِيَم، والتصورات، والسلوكات المختلفة بين الثقافات معرفة متخصصة، وقدرات بحثية وتحليلية متقدمة، إلى جانب مهارات تواصل عالية المستوى، وهنا يأتي دور مستشار الاتصال بين الثقافات.
ما هي مهام مستشار الاتصال بين الثقافات؟
يدعم هذا التخصص الشركات التي تفتقر إلى الخبرة أو المعرفة لإدارة فِرَقها متعددة الثقافات أو توسعاتها الدولية بكفاءة. من خلال تحليل السياق الثقافي المخصص بالعميل، يزود المستشار المؤسسة بالمعرفة والأنظمة اللازمة للتعامل مع التحديات الثقافية باستراتيجية.
تشمل مهامه ما يأتي:
- تسهيل الحوارات البنَّاءة وتقليل حالات سوء الفهم بين الفِرَق المتنوعة ثقافياً ولغوياً.
- مساعدة الفِرَق على وضع الاستراتيجيات والاستعداد لمشاريع دولية تتطلب التفاعل مع ثقافات غير مألوفة.
- اقتراح تغييرات تنظيمية تدعم التوجه العالمي للمؤسسة، مثل تبنِّي ممارسات توظيف شاملة، أو استقدام مديرين دوليين لتعزيز الأداء العالمي.
ما المهارات التي يحتاج إليها مستشار الاتصال بين الثقافات؟
يرتكز هذا الدور المهني كما أُشير سابقاً على البحث، والتخطيط الاستراتيجي، وفهم ديناميكيات بيئة العمل؛ لذلك لا بد من امتلاك مجموعة من القدرات المتنوعة، وعلى الرغم من اختلاف متطلبات العملاء، إلا أنَّ هناك 3 مؤهلات رئيسة، لا بد من توافرها في أي مستشار ناجح:
- مؤهل أكاديمي في الاتصال التجاري بين الثقافات: يحتاج هذا المتخصص إلى قاعدة علمية قوية لفهم متطلبات بيئات العمل المتنوعة ثقافياً، ويشمل ذلك مهارات التحقيق والبحث، وخبرة في مفاهيم إدارة الموارد البشرية، وقدرة على تحليل موضوعات، مثل تصنيف السوق بناءً على المعايير الثقافية.
- خبرة شخصية في التعامل مع التنوع الثقافي: لا تقل الخبرة الحياتية أهمية عن المؤهلات الأكاديمية، فالمعرفة النظرية تمنح فهماً أساسياً للتحديات والفرص في السياقات متعددة الثقافات، لكنَّ الفهم العميق لا يتحقق إلَّا من خلال التفاعل المباشر والعيش أو العمل في بيئات ثقافية متنوعة.
- إتقان لغتين على الأقل: تُعد الثنائية أو التعددية اللغوية من المتطلبات الشائعة في هذا الدور، نظراً للاختلافات الدقيقة في المعاني والنبرات وأساليب التخاطب بين اللغات، ومن الهام أن يكون المستشار قادراً على تفسير هذه الفروقات ونقلها بطرائق فعالة ومفهومة.
تجدر الإشارة إلى أنَّ كون الشخص ثنائي الثقافة أو اللغة لا يكفي وحده، فربما لا ينقل هذه الخبرات لمن لا يملك خلفية ثقافية متنوعة، إذا لم يكن مدعوماً بتأهيل أكاديمي متخصص، وعلى النقيض، فإنَّ الشخص الذي يمتلك معرفة أكاديمية دون أية تجربة مباشرة مع التنوع الثقافي، قد يعجز عن إدراك بعض التفاصيل الدقيقة، أو يغفل عنها دون قصد عند تقديم استشاراته.
خلاصة القول، لكي تصبح مستشاراً ناجحاً في الاتصال بين الثقافات، لا بد من الجمع بين المعرفة الأكاديمية والخبرة العملية، إلى جانب الالتزام المستمر بالتعلم والتطور المهني طوال حياتك المهنية.
4 جوانب يجب مراعاتها عند اختيار مستشارك في التنوع الثقافي
عند اختيار مستشار في التواصل بين الثقافات، هناك 4 محاور رئيسة ينبغي الانتباه لها:
- الخبرة الحياتية.
- التنوع.
- الاستناد إلى الأدلة (المنهج البحثي).
- المهارات التقنية.
فيما يأتي شرح موجز لكل جانب:
1. الخبرة الحياتية
يتمتع بعض مستشاري الثقافة بخبرة حياتية نتيجة انتمائهم إلى خلفيات ثقافية متنوعة، أو العيش في بلدان أجنبية، وغالباً ما يستند هؤلاء إلى قصصهم وتجاربهم الشخصية، مما يجعلهم مميزين في الفعاليات العامة بوصفهم متحدثين أو في تقديم تجارب ثقافية أصيلة تمثل ثقافة معيَّنة.
إنَّ من يمتلكون خبرة حياتية فقط لا يكون لديهم إلمام كافٍ بالجوانب البحثية النظرية، مما قد يجعل رواياتهم محدودة، ويتطلب من الجمهور بذل جهد أكبر لربط تلك القصص بسياقاتهم المهنية وتطبيقاتها العملية.
2. التنوع
من الطبيعي أن تقتصر الخبرة الحياتية للمستشارين على ثقافتهم الأصلية والبلدان التي عاشوا فيها، وغالباً ما يحتاج الأمر إلى ما يزيد عن 5 سنوات لفهم الاختلافات الدقيقة بين الثقافات.
لكنَّ هناك مستشارين يتجاوزون حدود ثقافتهم المخصصة والموقع الجغرافي الذي يعيشون فيه، ويستكشفون ثقافات أخرى؛ إذ يتميز هؤلاء بقدرتهم على إيجاد القواسم المشتركة والاختلافات بين الثقافات، وشرح كيف يمكن أن تبدو السلوكات متباينة وفق السياق الثقافي.
مثلاً: قد يكون هناك مستشار في التنوع الثقافي من أصول صينية يعيش في أستراليا، ويتعلم عن الثقافة الصومالية، لا سيما فيما يخص العلاقات الأسرية، فيربط بين الثقافات الصينية، والأسترالية، والصومالية، ويشرح الفروقات الدقيقة بين الثقافة الجمعية في الصين (التي غالباً ما تقتصر على الأسرة والأسرة الممتدة) والثقافة الجمعية في الصومال (التي قد تشمل المجتمع بأكمله).
3. الاستناد إلى الأدلة (المنهج البحثي)
يمتلك بعض مستشاري الثقافة خلفية أكاديمية أو بحثية في مجال التنوع الثقافي، وهؤلاء هم اللذين يشرحون الأطر النظرية شرحاً منهجياً وتطبيقياً، وقد يمتلك هؤلاء خبرة حياتية أو لا، لكن من التجربة، تبيَّن أنَّ من يملكون خلفية أكاديمية فقط دون تجربة حياتية، غالباً ما يفتقرون إلى الفهم السياقي، وقد تغيب عنهم بعض التفاصيل الهامة – ليس عن قصد – بل لأنَّهم لا يستطيعون دائماً رؤية النظرية من زوايا متعددة.
أفضل المستشارين هم من يجمعون بين الخلفية البحثية والخبرة الحياتية؛ إذ يقدِّمون البيانات النظرية في قالب واقعي حي، باستخدام أمثلة وقصص توضح التطبيق العملي للنظرية.
فمثلاً: تتناول النظريات المخصصة بالتنوع الثقافي بُعداً يُسمى "مسافة السلطة"، فقد يسرد المستشار ذو الخلفية الأكاديمية فقط أمثلة مقتبسة من الآخرين، أمَّا من عاش التجربة، فيسرد قصصاً واقعية توضح كيف يبدو احترام الأشخاص ذوي السلطة في ثقافة ما، وما يشعر به أو يفكر فيه من هم في مواقع أقل قوة.
4. المهارات التقنية
ترتبط المهارات التقنية بالمنهج البحثي، وتشير إلى القدرة على تطبيق مفاهيم التنوع الثقافي في مجالات متخصصة مثل: تصميم البرامج، وتنفيذها، وتقييمها، والاتصال والتواصل، والتدريب والتيسير، والبحث، وتطوير السياسات، وتدقيق والأداء التنظيمي، وإدارة التغيير، والقيادة، وغيرها.
وفق مهارات المستشار، يمكن توظيف فهمه للتنوع الثقافي في عدد من المجالات، إلَّا أنَّ ذلك لا يتحقق إلَّا إذا كان المستشار يجسد هذا الفهم ويُدمجه في عمله.
مثلاً: إنَّ الميسِّر الذي يراعي التنوع الثقافي في عمله، سيدرك أنَّ تيسير جلسة لمجموعة من الأنجلو-أستراليين، يُفسِح المجال للنقاش وطرح الأفكار، بينما تيسير جلسة لمشاركين آسيويين يتطلب توفير وقت للصمت والتأمل الذاتي قبل المشاركة.
الدمج المثالي: هل هو ممكن؟
يكون المستشار الثقافي في الحالة المثالية بارعاً في الجوانب الأربعة جميعاً، لكنَّ من النادر العثور على من يمتلك هذا التوازن الكامل، وعندما لا يكون ذلك ممكناً، يصبح من الهام معرفة نقاط القوة والمعرفة والفهم التي يتمتع بها المستشار في كل جانب، واختيار من يناسب احتياجك تحديداً، فإذا كنت تنظم فعالية وتبحث عن متحدث مميز، فالمستشار صاحب الخبرة الحياتية سيكون الأنسب، أمَّا إذا كنت بحاجة إلى ميسِّر تدريبي لمساعدة موظفيك على فهم التنوع الثقافي، ستحتاج إلى شخص ملِمٍّ بالأطر النظرية والبحثية في هذا المجال، ويُفضَّل أن يمتلك أيضاً خبرة حياتية.
أمَّا في الحالات المُعقَّدة، مثل إعداد سياسات الموارد البشرية أو السلامة المهنية، والحاجة إلى فهم آلية تفاعل الموظفين من خلفيات ثقافية متعددة معها أو كيف سيتجاوب معها فرع شركتك بماليزيا، ففي هذه الحالة، من الضروري العثور على شخص يجمع بين الخبرة الحياتية والفهم الأكاديمي للأطر الثقافية، ومعرفة كيفية توظيف ذلك في تطوير السياسات.
إن لم يُعثَر على مستشار واحد يجمع هذه المهارات، يُشكَّل فريق يضم أعضاء يمتلكونها جميعاً، وغالباً ما تفتقر الفرق إلى العنصر الذي يمتلك الخبرة الحياتية، مما يؤدي إلى أن تكون السياسات المطورة غير فعالة بعد فترة قصيرة من تطبيقها.
في المرة القادمة التي تحتاج فيها إلى مستشار في التنوع الثقافي، قيِّم احتياجاتك بناءً على هذه الجوانب الأربعة، واختر الشخص أو الفريق المتميز الذي يلبيها بالشكل الأمثل.
في الختام
يبرز دور مستشار التواصل بين الثقافات بوصفه عنصراً أساسياً لدعم الفِرَق متعددة الخلفيات وتعزيز النجاح العالمي مع تزايد التنوع الثقافي في بيئات العمل، ويتطلب هذا الدور مزيجاً من الخبرة الحياتية، والفهم الأكاديمي، والمهارات اللغوية والتقنية.
ينبغي النظر في 4 عناصر رئيسة عند اختيار المستشار المناسب: التجربة الحياتية، والانفتاح على التنوع، والاستناد إلى الأدلة، والقدرات التقنية؛ إذ يضمن التوازن بين هذه الجوانب تقديم استشارات فعالة تلبِّي احتياجات المؤسسات المعاصرة.
Ads space
Latest Articles
Stay up-to-date with the latest
Be aware of the latest articles, resources and upcoming courses