8 تحديات تواجه قطاع الاستشارات بعد جائحة "كوفيد-19" (Covid-19)

غيَّرت تأثيرات جائحة "كوفيد-19" (Covid-19) نماذج الاستشارات التقليدية، مما فرض تحديات جديدة على هذا القطاع ودفعه لابتكار أفكار جديدة.

فرضت التغيرات العالمية الناجمة عن الجائحة ضغوطات كبيرة على قطاع الاستشارات؛ حيث تشير البيانات إلى أنَّ قيمة سوق الاستشارات قبل تفشي الجائحة كانت تصل إلى 160 مليار دولار أمريكي، لكنَّها انخفضت إلى 132 مليار دولار في عام 2020. أدى هذا التراجع إلى ظهور تحديات جديدة تعيق عمل شركات الاستشارات.

كان سوق الاستشارات مُشبَع تماماً قبل الجائحة، وأصبح أكثر تنافسية بعدها، مما اضطر شركات الاستشارات للإسراع في مواكبة التغيرات الجارية واعتماد استراتيجيات عمل جديدة للحفاظ على استمراريتها. يعتمد استقرار ونمو هذه الشركات اعتماداً رئيساً على فعالية إجراءات تحليل بيئة الأعمال والتوصل إلى حلول مناسبة.

مع استمرار التغيرات التي فرضتها الجائحة على قطاع الاستشارات بالتسارع، سيكون على المستشارين أن يترجموا هذه التحولات إلى تهديدات أو فرص لهم.

التحديات التي واجهت قطاع الاستشارات بعد جائحة "كوفيد-19"

فيما يلي 8 تحديات تواجه قطاع الاستشارات بعد جائحة "كوفيد-19" (Covid-19):

1. التحول الرقمي والانتقال إلى نموذج العمل الهجين 

ازدادت أهمية العمل عن بُعد ازدياداً كبيراّ خلال الجائحة، واستمر هذا التوجه بعد انتهائها. هذا يعني أنَّ التحول الرقمي أصبح ضرورةَ وعنصراً أساسياً للنجاح في قطاع الاستشارات. عليه، يجب إعطاء الأولوية القصوى لتبني هذا التحول لأنّه توجه وتحدي رئيس في السوق حالياً.

سوف تُؤتمت أعمال الاستشارات بصورة ملحوظة قريباً، وخاصةً الجزء الإداري منها. كما سيتزايد الاعتماد على تكنولوجيا العمل عن بُعد وتقديم الخدمات رقمياً، مما يفرض تحدياً آخر على الشركات الاستشارية وهو السرعة في العمل وتقديم العروض خلال فترات زمنية قصيرة نسبياً.

إنّ مفهوم الرقمنة واسع وشامل، ولكن لنناقش قسم التسويق الرقمي فقط. عندما يحتاج العميل لشركة استشارية فإنَّه يلجأ إلى محرك البحث "جوجل" (Google) على الفور للعثور على شركة تقدم خدمات استشارية احترافية، ثم يتصفح وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات المحتوى ومراجعات العملاء وغيرها. كما يقول الخبير الأوروبي الرائد في تحليلات الموارد البشرية التنبؤية "لوك سمييرز" (Luk Smeyers)، فإنَّ الواقع الجديد لا يرحم ويتطلب مستوى عالٍ من الخبرة والنفوذ والمصداقية ليفرض المستشار حضوره. إنّ لملفّك الشخصي على الانترنت دور حاسم؛ فهو الفيصل بالنسبة للعميل، بين كونك خبيراً في المجال أم لا. سيفضّل العميل منافسك إذا لم يكن ملفّك مقنعاً بما يكفي، لذلك يجب أن تراعي خوارزميات "جوجل" لكي تتصدر نتائج البحث.

التحول الرقمي

2. الحفاظ على الأمان الرقمي

تواجه شركات الاستشارات أيضاً تحدي الحفاظ على الأمن السيبراني نتيجةً للتحول الرقمي. يؤكد "أندرو دانكان" (Andrew Duncan)، الشريك والرئيس التنفيذي لشركة "إنفوسيس للاستشارات" (Infosys Consulting) في المملكة المتحدة، أنَّه يجب أن تكون الاعتبارات الأخلاقية جزءاً أساسياً من أعمال الاستشارات، وهي تتأثر بشدة بتقنيات الأتمتة. تتلقى شركات الاستشارات وتعالج كمية هائلة من المعلومات السرية للعملاء والتي يمكن أن تتسرب في حال عدم الامتثال لقواعد الأمن السيبراني. قد يتسبب ذلك في تشويه السمعة وخسارة العقود وحتى المساءلة القانونية. 

يمكن أن يشكل الذكاء الاصطناعي حلاً فعالاً لهذه المشكلة؛ حيث يمكن استخدامه كأداة لضبط الأنظمة الآلية. يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تقليل المخاطر مع تحقيق الكفاءة والسرعة في العمل. تساعد الأتمتة الذكية في تقليل مخاطر الأخطاء البشرية وخفض التكاليف التشغيلية مع الحفاظ على جودة النتائج. يبرز تحدي جديد مع هذا الحل وهو الامتثال للمتطلبات التنظيمية ومنع التحيز الخوارزمي، وهو ما يجب على المستشارين أخذه بعين الاعتبار عند تشجيع الشركاء والعملاء والموظفين على استخدام الذكاء الاصطناعي.

3. التميز عن المنافسين

تُعد التنافسية العالية في قطاع الاستشارات واحدة من أهم التحديات في عالم ما بعد الجائحة؛ حيث يستطيع العملاء الاختيار من بين مجموعة كبيرة من العملاء و بنقرة واحدة فقط. يجب على الشركات اعتماد عقلية تنافسية جديدة وإظهار كفاءات فريدة لتثبت نفسها في السوق.

بدايةً، تحتاج الشركات إلى الانتقال من التعميم إلى التخصص مع التركيز على الخبرة. يجب أن يتمتع المستشارون برؤية شاملة وأن يفهموا السياق التنظيمي. سر النجاح في أعمال الاستشارات هو دمج التركيز العميق مع تلك الرؤية الشاملة. الاختصاص هو ما سيمكّن الشركات الاستشارية من الحفاظ على موقعها وجذب العملاء المحتملين، على عكس المنافسين العامين غير المنظمين. 

تفضل شركات الاستشارات النهج العام خوفاً من خسارة العملاء. على سبيل المثال، قد تقبل الشركة عديداً من المهمّات وتُعيد جدولتها بناءً على طلب العملاء، وقد تكرر العمل على نفس المشروع عدة مرات، مما يجعل العملاء يأخذون جهود المستشارين كأمر مسلّم به. هذا تحدٍّ آخر في مجال الاستشارات وهو تضخم حجم الأعمال نتيجة محاولة الحفاظ على الدخل. لذلك فإنَّه من الحكمة تحديد جمهور معين مستهدف يقدِّر خبرتك.

4. ابتكار الأفكار الجديدة وتطبيقها

ليس بالضرورة أن تؤدي الأزمات إلى تراجع الشركة؛ بل قد تشكل فرصة ذهبية للنمو والازدهار من خلال تبني نهج مبتكر. يمكن أن تولد الأفكار الجديدة مشاريع جديدة تجذب العملاء المحتملين، ولكنَّ الشركات الاستشارية تحتاج إلى اعتماد عقلية جديدة لتكون مستعدة لاغتنام هذه الفرص. 

يُعد الابتكار عامل حاسم في العمل الاستشاري وهو يعني إيجاد أو ابتكار طرائق جديدة لتقديم قيمة للعملاء. أظهرت الأبحاث أنَّ ما يُقارب 75% من الشركات تعتبر الابتكار أحد أولوياتها الرئيسة، وتضعه 35% منها في المقام الأول فعلياً. لكنَّ الاحصائيات تشير إلى أنَّ 30% من الشركات فقط تجيد الابتكار حقاً. لتعزيز الابتكار، يجب على الشركات الاستشارية أن تشجع العملاء على التفكير بإبداع واقتراح بدائل. يجب أن تفهم تماماً رؤية العميل وما إذا كانت قابلة للتطبيق ومدى سهولة تنفيذها. يجب أيضاً تبني استراتيجية واضحة ودعم فريق العميل من خلال توجيه عمليات الابتكار. أخيراً، يجب التأكد من أنَّ منتجهم أو خدمتهم جاهزة للإطلاق في السوق. إنّ الابتكار واحدٌ من أبرز التحديات في قطاع الاستشارات نظراً لصعوبة تنفيذ استراتيجيات العمل الجديدة والإبداعية.

5. فهم العملاء وتلبية توقعاتهم 

أصبح العملاء في عالمنا الرقمي اليوم أكثر تطلباً، وكما أظهرت دراسة بعنوان "من الرؤية إلى العمل - مستقبل صناعة الخدمات المهنية" (Insight to Action - The Future of the Professional Services Industry) فإنَّ العملاء في الوقت الحالي يطلبون الحصول على نتائج سريعة بتكلفة أقل وجودة أعلى، كما أنهم يركزون على موضوع الشفافية والمساءلة، مما أدى تعقيد المشاريع الاستشارية الجديدة. بدأت هذه التغييرات كلها خلال الأزمة المالية التي تسببت بها الجائحة والتي أدت إلى تقليص النفقات الاستشارية وزيادة التدقيق عند اختيار الشركات. 

يتوقع العملاء من شركات الاستشارات أن تكون ذات خبرة عميقة وموثوقية عالية، مما يجعل كسب ثقة العملاء والحفاظ عليها تحدياً حقيقياً في مجال الاستشارات. تبرُز هنا مشكلتان أساسيتان أمام شركات الاستشارات: العثور على عملاء جدد والاحتفاظ بالعملاء القدامى. بالنسبة للعملاء الجدد، فيمكن جذبهم من خلال الشراكات الناجحة مع عملاء سابقين، أمَّا الاحتفاظ بالعملاء القدامى فيتطلب من شركات الاستشارات تطوير علاقات جيدة معهم والحفاظ عليها. قد يكون هذا صعباً بعض الشيء أحياناً نظراً للتوقعات العالية جداً لدى بعض العملاء والتي تأتي مع ميزانيات محدودة. يقتضي دورك كمستشار في هذه الحالة أن تقنع العميل بأنَّ خدمتك الاحترافية ستكون مربحة له على الأمد الطويل. 

لذلك، من الهامّ جداً محاولة فهم عملائك وشخصياتهم وأهدافهم، والتحقق من توافق المحتوى الترويجي مع احتياجات العملاء الحاليين والسابقين. فقط الفهم الدقيق لهذه التفاصيل وغيرها سيمكّنك من تمهيد الطريق لمستقبلك في قطاع الاستشارات المتغير باستمرار. القدرة على فهم العملاء هي أيضاً واحدة من أكبر التحديات التي تواجه شركات استشارات تكنولوجيا المعلومات.

فهم العملاء

6. جذب المواهب الجديدة

تتبنى معظم شركات الاستشارات استراتيجيات تركز على الحفاظ على سمعتها كشركة رائدة تستقطب نخبة الخبراء وخيرتهم في هذا القطاع التنافسي. هذه التنافسية الشديدة تحتّم على شركات الاستشارات دائماً محاولة توظيف أفراد جدد يتمتعون بالحماس والقدرة على العمل تحت الضغط مع كونهم راغبين في التعلم والتطور؛ حيث تعتمد الشركات اعتماداً كبيراً على جودة موظفيها. يوصي "دانيال نيرليش" (Daniel Nerlich)، مؤسس المجلة الالكترونية في مجال الاستشارات المهنية "كونسولتانت كارير لونغ" (the Consultant Career Lounge)، بعدة استراتيجيات لإقناع المستشارين الموهوبين المحتملين بالانضمام إلى فريقك، من بينها ترغيبهم بالمال أو وعدهم بمرونة العمل التي ستتيح لهم مجالاً أكبر ليوازنوا بين حياتهم الشخصية والمهنية. عامل جذب آخر هو الوعد بالتطور المهني والشخصي بالإضافة إلى المشاركة في عملية اتخاذ القرار. هذه الوعود تأني بالطبع مع مسؤوليات، فحين ينضم مستشار ذو مستقبلٍ واعد وهامّ للفريق، فإنَّ مسؤولية الشركة هي تطوير مهاراته وتنميته.

7. إدارة الأزمات

كان تفشّي جائحة "كوفيد-19" حدثاً مفاجئاً تلاه تداعيات وأزمات غير متوقعة، ولكن ساعدت هذه التجربة في إدراك أهمية إدارة الأزمات. أدركت الشركات أنّ الاستمرارية تتطلب تحديد الأزمات المحتملة قبل حدوثها، بالإضافة إلى تطوير استراتيجيات للتعامل معها بفعالية. لذلك تعتبر إدارة الأزمات واحدة من التحديات التي تواجه استشارات الإدارة. 

قد تتطلب الاستجابة للأزمات أحياناً إجراءات خاصة تُخالف القواعد التقليدية وما كان متّبعاً سابقاً. خلال الجائحة مثلاً تطلبت إدارة الأزمة التحول إلى العمل عن بُعد وتغيير سياسات السفر. 

يدعم مستشارو إدارة الأزمات العملاء لضمان اتخاذ شركاتهم إجراءات سريعة في الظروف المفاجئة، يحدد ويحلل هؤلاء المستشارون الأزمة ثم يقدمون الحلول ويوصون بالأمثل بينها، مما يتيح للعملاء إمكانية ضبط إجراءات العمل والاستجابة للتغيُّرات الجارية. يهدف مستشارو إدارة الأزمات، في الأساس، إلى تقليل أو تجنب الأضرار وحماية الناس والبيئة. هذا يشكل تحدياً آخر في قطاع الاستشارات لأنَّه من الصعب للغاية التنبؤ بجميع الأزمات والأضرار المحتملة التي قد تحدث كما كان الحال مع الجائحة.

8. معالجة التوازن بين العمل والحياة لتقليل دوران الموظفين 

يتطلب قطاع الاستشارات تقديم خدمات عالية الجودة والعمل تحت ضغوطات كبيرة، وهو ما يؤدي إلى الإرهاق الوظيفي الذي يدفع المستشارين المتعبين إلى ترك وظائفهم سعياً إلى تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة. بينت أبحاث موقع "Consultancy.uk" أنَّ 76% إلى 100% من المستشارين يعملون ساعات إضافية عن تلك المتفق عليها في عقودهم تلبيةً لمتطلبات وظائفهم. كان متوسط ساعات العمل الإضافية في شركات الاستشارات الاستراتيجية 20 ساعةً في الأسبوع، مما عزز سمعة هذا القطاع كبيئة عمل متطرفة. 

يجب على شركات الاستشارات الراغبة في الحفاظ على المستشارين الموهوبين والمميزين أن تقوم بمعالجة أمر ساعات العمل الإضافية، وخاصةً اليوم في عالم ما بعد الجائحة الذي يتميز بالاستقالة الكبرى (The Great Resignation) واعتماد نماذج العمل الهجين بتزايُد، والرغبة في تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة.

يمكن أن تحفز التعويضات المالية العالية والمزايا الإضافية المستشارين إلى حد ما، ولكنّها ستخسر جاذبيتها عند حدٍ معين. سيفقد المستشارون حماستهم للعمل مثلاً عندما يدركون أنَّهم لا يمتلكون الوقت حتى لصرف المكافآت التي حصلوا عليها، وعندما ينخفض رضا الموظفين سيبدأ "دوران الموظفين الطوعي" (voluntary turnover).

تُقدّر تكلفة دوران الموظفين بما يصل إلى 150% من راتب الموظف في حال كان ضمن الموارد التقنية أو كبار الموظفين، ويسبب ذلك أيضاً اضطراباً في تسليم المشاريع وخطر مغادرة العملاء لشركتك عندما يغادر مستشارهم المفضل. بناءً عليه، ينبغي على شركات الاستشارات إعطاء الأولوية الأكبر لمواجهة قضايا العمل والحياة وساعات العمل الطويلة في فترة ما بعد الجائحة نظراً للعواقب السلبية الناتجة عن تجاهل هذه العوامل.

في الختام

على الرغم من أنَّ الجائحة أثرّت سلباً في قطاع الاستشارات إلّا أنَّها قدمت عديداً من الفرص بالمقابل، فقد سمحت التكنولوجيا المتطورة التي نمتلكها اليوم باعتماد نماذج العمل عن بُعد مما خلق فرصاً للعديد من المتخصصين حول العالم.

كما كان للرقمنة دور محوري في تقريب المستشارين من عملائهم. كل فرصة تأتي مع تحدياتها الخاصة وهو ما واجهته بالفعل شركات الاستشارات من تحديات ناقشها هذا المقال. يجب على شركات الاستشارات تعديل استراتيجياتها وفقاً للمتغيرات والتحديات الراهنة، وحين تتغلب على هذه الصعوبات، ستزيد من فرص نجاحها وازدهارها في قطاع الاستشارات التنافسي.

Latest Articles

Stay up-to-date with the latest

Be aware of the latest articles, resources and upcoming courses