استشارات المنظمات غير الربحية: تعريفها، وأنواعها، وخطوات التعاقد مع الشركات الاستشارية

تعد إدارة المنظمات غير الربحية مهمة صعبة، وعادةً ما يبدأ الأمر بدوافع نبيلة كالسعي لتلبية احتياجات مجتمعية، أو الدفع بعجلة التغيير، أو تحقيق هدف إنساني أو اجتماعي، وإذا شعرت بأنَّ منظمتك تحتاج إلى دعم خارجي، فربما يكون هذا الدليل المختصر بشأن الاستشارات للمنظمات غير الربحية مفيداً لك، وقد يساعدك على تحديد ما إذا كانت الاستعانة باستشاري هي ما تحتاج إليه بالفعل.

بخلاف ما يظنه بعضهم، فإنَّ المنظمة غير الربحية تُدار كأي عمل تجاري، فهي تضم موظفين، وتتطلب تطبيق إجراءات إدارية ومالية، وفيها تكاليف تشغيلية، ومصاريف لجمع التبرعات، وغيرها من المهام الأساسية، ومع تزايد المسؤوليات والتحديات، قد يجد القائمون على هذه المنظمات أنفسهم مضطرين لطلب الدعم الخارجي، فليس هناك فرد أو جهة تمتلك المعرفة أو القدرة الكاملة لتنفيذ جميع المهام بكفاءة، وهنا تظهر أهمية مستشاري المنظمات غير الربحية بوصفها حلاً عملياً وفعالاً.

تعريف مستشار المنظمات غير الربحية

حتى أكثر المنظمات خبرة واحترافية تدرك أنَّها لا تستطيع إنجاز كل شيء بمفردها، سواء كان ذلك بسبب محدودية الموارد، أم نقص الخبرة، أم الحاجة إلى متخصص في مجال معيَّن، ويكمن الحل غالباً في الاستعانة بمستشار (فرد مستقل أو شركة متخصصة) لتقديم خدمات احترافية في مجالات محددة للمنظمات التي تفضل عدم التعامل مع بعض التحديات داخلياً.

تُعَد الاستشارات في مجالات جمع التبرعات، والتكنولوجيا، من أكثر أشكال الدعم شيوعاً بين المنظمات غير الربحية، كما تلجأ عدد من هذه المنظمات إلى مستشارين في التسويق، أو في الشؤون الإدارية كالموارد البشرية والمحاسبة، وغالباً ما يُتعاقَد مع هؤلاء الخبراء لتلبية احتياج معيَّن، فيقدِّمون حلولاً سريعة، ويضعون استراتيجيات طويلة الأمد للمساعدة على المضي قدماً.

أنواع المستشارين وخدماتهم

1. مستشار جمع التبرعات

لا يُعَد جمع التبرعات خياراً للمنظمات غير الربحية؛ بل هو ضرورة حتمية، لكنَّ نجاح هذه المهمة، يتطلب خبرة ومعرفة متقدمة، وهنا يأتي دور مستشار جمع التبرعات، الذي لا يخفف عبء العمل فحسب؛ بل يضيف أيضاً قيمة حقيقية بخبرته المتخصصة، ما يحسن النتائج ويطور الاستراتيجيات.

2. مستشار كتابة المنح

تُعَد كتابة طلبات المنح مهارة متخصصة تتطلب خبرة ودقة، لا سيما وأنَّ مستقبل تمويل المنظمة، قد يعتمد على قبول هذه المقترحات؛ لذلك تلجأ منظمات كثيرة إلى مستشارين في هذا المجال لزيادة فرص الحصول على المنح، سواء من خلال تقديم التوجيه والنصائح أم تولي عملية الكتابة كاملةً.

3. مستشار التكنولوجيا

أصبحت التكنولوجيا في هذا العصر الرقمي ضرورة لا غنى عنها، فالمنظمة التي تطمح للنجاح لا بد أن يكون لها حضور رقمي مميز، سواء من خلال الموقع الإلكتروني أم منصات التواصل الاجتماعي، وبما أنَّ إنشاء هذه المنصات وصيانتها، يتطلب وقتاً وجهداً ومتابعة دائمة، فإنَّ الاستعانة بمستشار تقني، يواكب التطورات ويعالج التحديات التقنية بفعالية.

4. مستشار الموارد البشرية

يعد مستشار الموارد البشرية مفيداً للغاية في المنظمات المتوسطة والكبيرة، كما تزداد أهمية تنظيم وإدارة الكوادر البشرية مع اتساع الفريق ونمو المنظمة، وتشمل مهام هذا النوع من المستشارين المساعدة على تحسين العلاقة بين الموظفين ومجلس الإدارة، وتولي مسؤوليات التوظيف، وإجراء المقابلات، واختيار الكفاءات المناسبة.

5. مستشار المحاسبة

تجمع المنظمات غير الربحية مبالغ مالية كبيرة من خلال التبرعات، والمنح، ونشاطات التمويل، ومن الضروري تسجيل هذه المعاملات بدقة للحفاظ على الاستقرار المالي، وهنا يأتي دور مستشار المحاسبة، الذي يضبط الشؤون المالية ويوفر تقارير واضحة وموثوقة تُطمئن مجلس الإدارة وتدعم اتخاذ القرار.

6. المستشار القانوني

تواجه المنظمات غير الربحية مواقف قانونية تتطلب معرفة متخصصة، ولهذا فإنَّ اللجوء إلى مستشار قانوني أمر بالغ الأهمية. يقدِّم هذا المستشار التوجيه القانوني اللازم ويعين المنظمة على التعامل مع أية قضية تعاملاً قانونياً سليماً.

7. مستشار الفعاليات المخصصة

تُعَد الفعاليات، لا سيما تلك المتعلقة بجمع التبرعات، جزءاً أساسياً من خطط الدعم المالي للمنظمات، ولضمان نجاحها وتحقيق أقصى قدر من العائد، تستعين عدد من المنظمات بمستشارين مختصين بتنظيم الفعاليات المخصصة. يتولى هؤلاء المستشارون إعداد وتنفيذ الفعاليات باحتراف يجذب المتبرعين والمشاركين، مما يضاعف أثر وعائد المناسبة.

أنواع المستشارين

ما الذي ينبغي مراعاته عند اختيار شركة استشارية؟

تقتضي الخطوة الأولى البحث عن شركات تمتلك خبرة سابقة في التعامل مع المنظمات غير الربحية، فرغم كثرة الشركات الاستشارية التي تقدِّم خدماتها لمؤسسات متنوعة، إلَّا أنَّ الأفضل دائماً هو التوجه إلى الشركات التي تتخصص في دعم هذا النوع من المنظمات تحديداً، فمثل هذه الشركات تكون أكثر فهماً لاحتياجات القطاع غير الربحي، وأكثر خبرة في تحدياته، مما يجعلها الأقدر على تقديم حلول واقعية وفعالة.

من العوامل الهامة الأخرى التي ينبغي أخذها في الحسبان، أن تكون الشركة الاستشارية مطَّلعة على البيئة الجغرافية التي تعمل فيها المنظمة، ومُلِمة بالقوانين المحلية وظروف المجتمع المحيط، ويمكن الاستفادة في هذا السياق من شبكات موثوقة تضم مستشارين متخصصين في المناطق الجغرافية المختلفة.

يجب بعد ذلك أن تطَّلع المنظمة على سجلِّ الشركة الاستشارية وخبراتها السابقة، ومن الأسئلة التي يمكن أن تساعد على هذا التقييم: متى تأسست الشركة؟ هل تحظى بسمعة جيدة وتقييمات إيجابية على الإنترنت؟ ما هي نوعية المنظمات غير الربحية التي سبق لها التعامل معها؟ ولماذا تبدو مناسبة لتلبية احتياجات منظمتك بالذات؟

يدل تاريخ الشركة الطويل في العمل مع المنظمات غير الربحية على استقرارها ونجاحها في هذا المجال، وإذا كانت تقييمات عملائها إيجابية، فذلك يبرز رضى المنظمات الأخرى عن أدائها، أمَّا إذا سبق لها تقديم خدمات فعالة لمنظمات غير ربحية مشابهة، فهذا يعزز احتمالية نجاحها مع منظمتك أيضاً.

أخيراً، ومع كثرة الخيارات المتاحة، فإنَّ الأنسب دائماً هو اختيار الشركة التي يمكنها معالجة التحديات التي تواجهها منظمتك مباشرة؛ إذ سيكون هذا الخيار الأجدى من جهة الوقت والنتائج.

كيف تبدأ: خطوات التعاقد مع مستشار

1. مراجعة احتياجات المنظمة

حدِّد الاحتياجات الأساسية للمنظمة، ولتكن دعماً في جمع التبرعات، أو الحسابات، أو إعداد مقترحات المنح؛ إذ يعدُ توضيح الاحتياج، أو مجموعة من الاحتياجات الخطوة الأولى لتقييم الحاجة الفعلية للاستعانة بمستشار خارجي.

2. مناقشة الاحتياجات مع مجلس الإدارة

مجلس الإدارة هو الجهة المخوَّلة باتخاذ القرارات الاستراتيجية في المنظمات غير الربحية، بما في ذلك قرار التعاقد مع مستشارين خارجيين، وبعد تحديد الاحتياج، ينبغي مناقشته مع المجلس لاتخاذ قرار جماعي بشأن المضي قدماً في هذه الخطوة.

3. تحديد الأهداف والإرشادات

ضَعْ أهدافاً واضحة وإرشادات دقيقة للعملية الاستشارية بمجرد الحصول على الموافقة، فالمستشار لا يستطيع أداء مهامه بفعالية ما لم تكن لديه رؤية واضحة لما هو مطلوب منه، وحدِّد ميزانية مناسبة وجدولاً زمنياً محدداً لضمان الانضباط في تنفيذ المشروع.

4. البحث والتقصي

بعد الاتفاق على الأهداف وتحديد الميزانية، تبدأ عملية البحث عن مستشارين يلبُّون احتياجات المنظمة، ومن المفيد هنا التركيز على من لديهم خبرة مثبتة في العمل مع منظمات غير ربحية وسجلٍّ حافل من النجاحات وتقييمات إيجابية.

5. إعداد "طلب تقديم مقترحات" (RFP)

يُعَد "طلب تقديم مقترحات" مستنداً رسمياً يوضح تفاصيل المشروع بدقة، بما يشمل الأهداف، ونطاق العمل، والمتطلبات، والمعايير، ويساعد هذا المستند المستشارين المحتملين على فهم ما هو مطلوب منهم وتقديم عروض مناسبة ومدروسة.

6. مراجعة المرشحين ومقترحاتهم

ينبغي بعد إرسال الطلبات واستلام العروض مراجعة المقترحات المقدمة، وإعداد قائمة بمزايا وعيوب كل مرشح، لتسهيل المقارنة واتخاذ القرار بناءً على معايير واضحة وموضوعية.

7. اختيار الأنسب لاحتياجات المنظمة

يُتخَذ القرار النهائي باختيار المستشار الذي يتمتع بالمؤهلات والخبرة والقدرة على تلبية احتياجات المنظمة بكفاءة وجودة عالية بعد المراجعة والتحليل.

لماذا ينبغي على منظمتك غير الربحية التفكير في الاستعانة بمستشارين؟

إدارة المنظمات غير الربحية مهمة صعبة، فهي تتطلب جهداً متواصلاً وتفانياً كبيراً، وسط تعدد المهام وتنوع المسؤوليات وتداخل الجهات المعنية، وقد تصبح الأعباء اليومية مرهقة إلى درجة تجعل طلب الدعم الخارجي هو الخيار الأذكى.

سواء تعلق الأمر بجمع التبرعات، أم إعداد مقترحات المنح، أم إدارة شؤون الموظفين، فإنَّ الاستعانة بمستشارين متخصصين في قطاع المنظمات غير الربحية، يحسن الكفاءة العامة ويحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع، لكن وقبل اتخاذ قرار التعاقد مع أي مستشار، من الضروري التحقق من سيرته المهنية، واستعراض خبراته السابقة، بالإضافة إلى مناقشة احتياجات المنظمة مع مجلس الإدارة لضمان مواءمة القرار مع رؤيتها وأولوياتها.

الاستعانة بمستشارين متخصصين في قطاع المنظمات غير الربحية

هل تحتاج منظمتك فعلاً إلى مستشار؟

قد يخطر ببالك سؤال مشروع: "هل نحن بحاجة حقيقية إلى مستشار؟"

السؤال منطقي، خصيصاً في ظل العمل ضمن ميزانيات محدودة وموارد مالية شحيحة؛ إذ يُحسَب كل مبلغ بعناية، ولكن في الواقع إنَّ وجود مستشار متمرِّس إلى جانبك يوفر على المنظمة كثيراً من الوقت، والموارد، والضغط النفسي.

فيما يأتي بعض الأسباب التي تجعل التعاون مع مستشار خطوة مدروسة وفعالة:

  • خبرة مهنية متخصصة: يتمتع المستشار بفهم دقيق للقطاع غير الربحي، مما يمكِّنه من تقديم حلول مخصصة وواقعية تتلاءم مع طبيعة منظمتك.
  • رؤية محايدة من الخارج: قد تكون الرؤية الخارجية هي ما تحتاج إليه لاكتشاف فرص لم تكن واضحة داخلياً، سواء كانت شراكات محتملة أم مصادر تمويل جديدة.
  • تخفيف العبء عن الفريق الداخلي: يمنح المستشار فريق المنظمة فرصة للتركيز على مسؤولياتهم الأساسية من خلال تولي بعض المهام المعقدة.
  • تنظيم العمليات دون الحاجة إلى توظيف دائم: يساعد المستشار على تنظيم الهياكل والعمليات التشغيلية دون تحميل المنظمة التزامات طويلة الأمد، مما يمكِّن الفريق من الحفاظ على التحسينات بعد انتهاء فترة التعاقد.
  • دعم التوسع وإعادة الهيكلة: في حال مرَّت المنظمة بمرحلة نمو أو احتاجَت إلى تنظيم داخلي، فإنَّ المستشار بإمكانه إعداد خطة استراتيجية تسهِّل هذا الانتقال وتدعم الاستدامة على الأمد الطويل.

ما الذي تقدِّمه الخدمات الاستشارية للمنظمات غير الربحية؟

فيما يأتي لمحة عن أبرز مجالات الدعم التي يمكن أن يقدمها المستشارون المتخصصون:

  • إعداد استراتيجيات جمع التبرعات: سواء كنت تبدأ من الصفر أم تسعى لتعزيز جهود قائمة، يساعدك المستشار على إعداد خطة جمع تبرعات تتماشى مع رسالتك وتلهم جمهورك المستهدف، ويشمل ذلك كتابة طلبات المنح، وتنظيم الفعاليات، وإدارة علاقات المتبرعين.
  • تقييم البرامج وقياس الأثر: إذا كنت ترغب في تقديم دليل واضح على أنَّ مساهمات الداعمين، تُحدِث فرقاً فعلياً، يمكن للمستشار مساعدتك على جمع البيانات وتحليلها، وتقديم تقارير تأثير تبرز الإنجازات بلغة مؤثرة ومقنعة.
  • التخطيط الاستراتيجي: تحتاج كل منظمة إلى خطة واضحة للمستقبل، ويساعدك المستشار على وضع أهداف قابلة للقياس، ورسم خارطة طريق لتحقيقها، مع مراعاة إمكانيات المنظمة وبيئتها.
  • التسويق والاتصال المؤسسي: يدعم المستشار جهودك في الوصول إلى جمهور أوسع وبناء علاقات استراتيجية مستدامة من خلال تطوير محتوى مؤثر، وتعزيز الهوية البصرية، وتصميم حملات على منصات التواصل الاجتماعي.
  • بناء القدرات المؤسسية: الهدف هنا هو تمكين المنظمة من قيادة عملياتها بثقة واستقلالية، ويبدأ ذلك بتأسيس قاعدة تمويل متنوعة، وتطوير مهارات الفريق للتعامل مع الأزمات والتغيرات، وبناء مقومات النجاح المستدام.

في الختام

تحديد المستشار الأنسب هو قرار بالغ الأهمية في مسار منظمتك؛ لذا ابحث عن شخص يعي تماماً رسالتك، ويمتلك سجلاً ناجحاً في المجال، ويقدِّم حلولاً عملية تتوافق مع أهدافك وقِيَمك.

تذكَّر، المسألة لا تتعلق بمجرد التعاقد مع خبير؛ بل بإيجاد شريك حقيقي يمضي معك في رحلة التأثير، ويساعدك على تحويل رؤيتك إلى واقع ملموس ينعكس أثره على المجتمع الذي تخدمه.

Latest Articles

Stay up-to-date with the latest

Be aware of the latest articles, resources and upcoming courses